فإن قيل: أنهم لم يتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف يصح أن يقولوا {إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً} أجيب: بأنّ معناه إن اتبعتموه فقد اتبعتم رجلاً مسحوراً. وقرأ ابو عمرو وابن ذكوان وعاصم وحمزة بكسر التنوين في الوصل والباقون بالضم ثم قال تعالى:
{انظر كيف ضربوا} أي: هؤلاء الضُّلال {لك الأمثال} التي هي أبعد شيء من صفتك من قولهم كاهن وساحر وشاعر ومعلم ومجنون. {فضلوا} عن الحق في جميع ذلك {فلا} أي: فتسبب عن ذلك أنهم لا {يستطيعون سبيلاً} أي: وصولاً إلى طريق الحق. ولما جرت عادة القرآن بإثبات التوحيد والنبوّة والمعاد وقدم الدلالة على الأوّلين وختم بإثبات جهلهم في النبوّة مع ظهورها أتبع ذلك أمراً جلياً في ضلالهم عن السبيل في أمر المعاد وقرّره غاية التقرير، وحرّه أتم تحرير. قال تعالى معجباً منهم:
{وقالوا} أي: المشركون المنكرون للتوحيد والنبوّة والبعث مع اعترافهم بأنا ابتدأنا خلقهم ومشاهدتهم في كل وقت إنا نحيي الأرض بعد موتها وقولهم: {أئذا} استفهام إنكاري كأنهم على ثقة من عدم ما ينكرونه والعامل في إذا فعل من لفظ مبعوثون لا هو فإن ما بعد إنّ لا يعمل فيما قبلها فالمعنى أنبعث إذا {كنا} أي: بجملة أجسامنا كوناً لازماً {عظاماً ورفاتاً} أي: حطاماً مكسراً مفتتاً أو غباراً. وقال الفراء: هو التراب وهو قول مجاهد ويؤيده أنه قد يكرر في القرآن تراباً وعظاماً. ويقال للتبن الرفات لأنه دقاق الزرع. {أئنا لمبعوثون} حال كوننا مخلوقين {خلقاً جديداً} .
تنبيه: تقرير شبهة هؤلاء الضلال هي أنّ الإنسان جفت أعضاؤه وتناثرت وتفرقت في جوانب العالم واختلطت تلك الأجزاء بسائر أجزاء العالم فالأجزاء المائية مختلطة بمياه العالم والأجزاء الترابية مختلطة بالتراب، والأجزاء الهوائية مختلطة بالهواء فكيف يعقل اجتماعها بأعيانها مرّة أخرى وكيف يعقل عود الحياة إليها بأعيانها مرّة أخرى هذا تقرير شبهتهم؟ أجيب: عنها بأنها لا تتم إلا بالقدح في كمال علم الله تعالى وفي كمال قدرته فإنه تعالى قادر على كل الممكنات فهو قادر على إعادة التأليف والتركيب والحياة والعقل إلى تلك الأجزاء بأعيانها فمن سلم كمال علم الله تعالى وكمال قدرته زالت عنه هذه الشبهة بالكلية. ولما كان كأنه قيل فماذا يقال لهم في الجواب؟ فقال:
{قل} لهم يا أشرف الخلق لا تكونوا رفاتاً بل {كونوا} أصلب من التراب {حجارة} أي: هي في غاية اليبس {أو حديداً} أي: زائداً على يبس الحجارة لشدّة اتصال الأجزاء. تنبيه: ليس المراد به أمر إلزام بل المراد لو كنتم كذلك لما أعجزتم الله تعالى عن الإعادة وذلك كقول القائل أتطمع فيّ وأنا فلان فيقول كن من شئت كن ابن الخليفة فسأطلب منك حقي.
{أو خلقاً} غير ذلك {مما يكبر} أي: يعظم عظمة كبيرة {في صدوركم} أي: مما يكبر عندكم عن قبول الحياة لكونه أبعد شيء منها فإنّ الله تعالى قادر على إعادة الحياة إليها. وقال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وأكثر المفسرين: أنه الموت فإنه ليس في نفس ابن آدم شيء أكبر من الموت، أي: لو كنتم الموت بعينه لأميتنكم ولأبعثنكم، وقيل السموات والأرض والجبال لأنها من أعظم المخلوقات {فسيقولون} تمادياً في الاستهزاء {من يعيدنا} إذا كنا كذلك {قل الذي فطركم} أي: ابتدأ خلقكم {أوّل مرّة} ولم تكونوا شيئاً يعيدكم بالقدرة التي ابتدأكم بها فكما لم تعجز تلك