في جواب سؤال عن ذلك:
*قد خصصت آية الأسرى بمتصف
... وصف الحياة كرطب الزرع والشجر
*فيابس مات لا تسبيح منه كذا
... وما زال عن موضع كالقطع للحجر
وقال إبراهيم النخعي: وإنّ من شيء جماد وحيّ إلا يسبح بحمده حتى صرير الباب ونقيض السقف، وقال مجاهد: كل الأشياء تسبح لله تعالى حيواناً كانت أو جماداً وتسبيحها سبحان الله وبحمده يدل على ذلك ماروي عن ابن مسعود كنا نعدّ الآيات بركة وأنتم تعدّونها تخويفاً كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فقلَّ الماء فقال صلى الله عليه وسلم «اطلبوا فضلة من ماء فجاؤوا بإناء فيه ماء قليل فأدخل يده صلى الله عليه وسلم في الإناء ثم قال: حي على الطهور المبارك والبركة من الله فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يأكل» . وعن جابر بن سمرة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ بمكة حجراً كان يسلم عليّ ليالي بعثت إني لأعرفه الآن» . وعن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم كان يخطب إلى جذع فلما اتخذ له المنبر تحوّل إليه فحن الجذع فأتاه فمسح يده عليه وفي رواية فنزل فاحتضنه وساره بشيء ففي هذه الأحاديث دليل على أنّ الجماد يتكلم وأنه يسبح.
وقال بعض أهل المعاني: تسبيح السموات والأرض والجمادات والحيوانات سوى العقلاء بلسان الحال حيث تدلّ على الصانع وقدرته ولطيف حكمته فكأنها تنطق بذلك ويصير لها بمنزلة التسبيح. قال البغوي: والأول أصح وهو المنقول عن السلف. وقال ابن الخازن: القول الأول أصح لما دلت عليه الأحاديث وأنه منقول عن السلف. قال البغوي: واعلم أنّ لله تعالى علماً في الجمادات لا يقف عليه غيره فينبغي أن يوكل علمه إليه {ولكن لا تفقهون} أي: لا تفهمون {تسبيحهم} أي: لأنه ليس بلغتكم {إنه كان حليماً غفوراً} . ولما ذكر سبحانه وتعالى إثبات الإلهية أتبعه بذكر تقرير النبوّة بقوله تعالى:
{وإذا قرأت القرآن} أي: الذي لا يدانيه واعظ ولا يساويه مفهم وهو تبيان لكل شيء {جعلنا} أي: بما لنا من العظمة {بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً} أي: يحجب قلوبهم عن فهم ما تقرؤه عليهم والانتفاع به. قال قتادة: هو الأكنة فالمستور بمعنى الساتر كقوله تعالى: {كان وعده مأتياً} (مريم، 61)
مفعول بمعنى فاعل وقيل: مستوراً عن أعين الناس فلا يرونه وفسره بعضهم بالحجاب عن الأعين الظاهرة كما روي عن سعيد بن جبير أنه لما نزلت {تبت يدا أبي لهب} (المسد، 1)
جاءت امرأة أبي لهب ومعها حجر والنبيّ صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر رضي الله عنه فلم تره فقالت لأبي بكر: أين صاحبك؟ لقد بلغني أنه هجاني. فقال: والله ما ينطق بالشعر ولا يقوله فرجعت وهي تقول: قد كنت جئت بهذا الحجر لأرض به رأسه فقال أبو بكر: ما رأتك يا رسول الله؟ قال: «لا ما يزل ملك بيني وبينها يسترني» .
{وجعلنا} أي: بما لنا من العظمة {على قلوبهم أكنة} أي: أغطية كراهية {أن يفقهوه} أي: يفهموه أي: يفهموا القرآن حق فهمه {وفي آذانهم وقراً} أي: شيئاً ثقيلاً يمنع سماعهم، وعن أسماء كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً ومعه أبو بكر إذ أقبلت امرأة أبي لهب ومعها فهر تريد الرسول صلى الله عليه وسلم وهي تقول: مذمما أبينا ودينه قلينا وأمره عصينا. فقال أبو بكر: يا رسول الله معها