ذلك سبب إسلامهم فخالفوا تأميله عزاه الله تعالى بقوله:
{وما أكثر الناس} ، أي: أهل مكة {ولو حرصت} على إيمانهم {بمؤمنين} لعنادهم وتصميمهم على الكفر وكان ذلك إشارة إلى ما ذكر الله تعالى في قوله تعالى: {إنك لا تهدي من أحببت ولكنّ الله يهدي من يشاء} (القصص، 56) ثم نفى عنه التهمة بقوله تعالى:
{وما تسألهم عليه} ، أي: على تبليغ هذا الكتاب الذي أوحيناه إليك وأغرق في النفي فقال: {من أجر} حتى يكون سؤالك سبباً لأن يتهموك أو يقولوا: لولا أنزل عليه كنز ليستغن به عن سؤالنا، ثم نفى عن هذا الكتاب كل غرض دنيوي بقوله تعالى: {إن هو إلا ذكر} ، أي: عظة من الله تعالى {للعالمين} عامّة، ثم إنّ الله تعالى أخبر عنهم أنهم لما تأمّلوا الآيات الدالة على توحيده تعالى بقوله تعالى:
{وكأين} ، أي: وكم {من آية} دالة على وحدانية الله تعالى {في السموات} كالنيرين وسائر الكواكب والسحاب وغير ذلك مما لا يحصيه إلا الله تعالى {والأرض} من الجبال والشجر والدوابّ وغير ذلك مما لا يحصيه إلا الله تعالى {يمرّون عليها} ، أي: يشاهدونها {وهم عنها معرضون} ، أي: لا يتفكرون فيها فلا عجب إذا لم يتأمّلوا في الدلائل على نبوّتك، فإن العالم مملوء من دلائل التوحيد والقدرة والحكمة، ثم إنهم يمرّون عليها ولا يلتفتون إليها. ولما كان ربما قيل: كيف يوصفون بالإعراض وهم يعتقدون أنّ الله تعالى فاعل تلك الآيات؟ بين أنّ إشراكهم سقط لذلك بقوله تعالى:
{وما يؤمن أكثرهم بالله} حيث يقرّون بأنه الخالق الرازق {إلا وهم مشركون} بعبادته الأصنام قال تعالى: {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولنّ الله} (الزخرف، 87) لكنهم كانوا يثبتون شريكاً في العبودية. وعن ابن عباس أنّ هذه الآية نزلت في تلبية مشركي العرب كانوا يقولون في تلبيتهم: لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك يعنون الأصنام. وعنه أيضاً أنّ أهل مكة قالوا: الله ربنا وحده لا شريك له والملائكة بناته فلم يوحدوا بل أشركوا، وقال عبدة الأصنام: ربنا الله وحده والأصنام شفعاؤنا عنده، وقالت اليهود: ربنا الله وحده وعزير ابن الله. وقالت النصارى: المسيح ابن الله. وقال عبدة الشمس والقمر: ربنا الله وحده وهؤلاء أربابنا، وقال المهاجرون والأنصار: ربنا الله وحده لا شريك له، ولما كان أكثر هؤلاء لا ينقادون إلا بالعذاب قال تعالى:
{أفأمنوا} إنكار فيه معنى التوبيخ والتهديد {أن تأتيهم} في الدنيا {غاشية} ، أي: نقمة تغشاهم وتشملهم {من عذاب الله} ، أي: الذي له الأمر كله كما أتى من ذكرنا قصصهم من الأمم {أو تأتيهم الساعة بغتة} ، أي: فجأة وهم عنها في غاية الغفلة وقوله تعالى: {وهم لا يشعرون} ، أي: بوقت إتيانها قبله كالتأكيد لقوله {بغتة} . ولما كان صلى الله عليه وسلم مبلغاً عن الله تعالى أمره أن يأمرهم باتباعه بقوله تعالى:
{قل} يا أعلى الخلق وأصفاهم وأعظمهم نصحاً وإخلاصاً {هذه} ، أي: الدعوة إلى الله تعالى التي أدعو إليها {سبيلي} ، أي: طريقتي التي أدعو إليها الناس، وهي توحيد الله تعالى ودين الإسلام وسمي الدين سبيلاً؛ لأنه الطريق المؤدّي إلى ثواب الجنة {أدعو إلى الله} ، أي: إلى توحيده والإيمان به {على بصيرة} ، أي: حجة واضحة وقوله {أنا} تأكيد للمستتر في أدعو على بصيرة؛ لأنه حال منه أو مبتدأ خبره على بصيرة وقوله: {ومن اتبعني} ، أي: ممن آمن بي وصدق بما جاءني عطف عليه؛ لأنّ كل من ذكر الحجة وأجاب عن الشبهة فقد دعا بمقدور وسعه