إلى الله، وهذا دلّ على أن الدعاء إلى الله إنما يحسن ويجوز مع هذا الشرط وهو أن يكون على بصيرة مما يقول ويقين، فإن لم يكن كذلك وإلا فهو محض الغرور، وقال صلى الله عليه وسلم «العلماء أمناء الرسل على عباد الله» من حيث يحفظون ما يدعون إليه.
فائدة: جميع القراء يثبتون الياء وقفاً ووصلاً لثباتها في الرسم {وسبحان} ، أي: وقل سبحان {الله} تنزيهاً له تعالى عما يشركون به {وما أنا من المشركين} ، أي: الذين اتخذوا مع الله ضدًّا وندًّا، ولما قال أهل مكة للنبيّ صلى الله عليه وسلم هلا بعث الله ملكاً؟ قال تعالى:
{وما أرسلنا من قبلك} إلى المكلفين {إلا رجالاً} ، أي: مثل ما أنك رجل لا ملائكة ولا إناثاً كما قاله ابن عباس، ولا من الجنّ كما قاله الحسن، {يوحى إليهم} ، أي: بواسطة الملائكة مثل ما يوحي إليك. وقرأ حفص قبل الواو بالنون وكسر الحاء، والباقون بالياء وفتح الحاء وضم الهاء من إليهم حمزة على أصله، وكسرها الباقون {من أهل القرى} ، أي: من أهل الأمصار والمدن المبنية بالمدر والحجر ونحوه لا من أهل البوادي؛ لأنّ أهل الأمصار أفضل وأعلم وأكمل وأعقل من أهل البوادي، ومكة أم القرى؛ لأنها مجمع لجميع الخلائق لما أمروا به من حج البيت وكان العرب كلهم يأتونها فكيف تعجبوا في حقك؟ قال الحسن: لم يبعث الله نبياً من البادية لغلظهم وجفائهم، ثم هدّدهم سبحانه وتعالى بقوله تعالى: {أفلم يسيروا} ، أي: هؤلاء المشركون المكذبون {في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم} من المكذبين للرسل والآيات فيحذروا تكذيبك ويعتبروا بهم وبما حلّ بهم من عذابنا. ولما أنّ الله تعالى نجى المؤمنين عند نزول العذاب بالأمم الماضية المكذبة وما في الآخرة خير لهم بين ذلك بقوله تعالى: {ولدار الآخرة} ، أي: ولدار الحال الآخرة أو الساعة الآخرة أو الحياة الآخرة {خير} وهي الجنة {للذين اتقوا} الله من حياة مآلها الموت، وإن فرحوا فيها بالمحال وإن امتدّت ألف عام وكان عيشها كله رغداً من غير آلام {أفلا يعقلون} فيستعملون عقولهم فيتبعون الداعي إلى هذا السبيل الأقوم. وقرأ نافع وابن عامر وعاصم بالتاء على الخطاب لأهل مكة، والباقون بالياء على الغيبة لهم وللمشركين المكذبين وقوله تعالى:
{حتى إذا استيأس الرسل} غاية لمحذوف دلّ عليه الكلام، أي: لا يغررهم تمادي أيامهم فإنّ من قبلهم أمهلوا حتى أيس الرسل من النصر عليهم في الدنيا ومن إيمانهم لانهماكهم في الكفر مترفين متمادين فيه من غير وازع {وظنوا} ، أي: أيقن الرسل {أنهم قد كذبوا} بالتشديد كما قرأه غير حمزة وعاصم والكسائي تكذيباً لا إيمان بعده، وأمّا بالتخفيف كما قرأه هؤلاء فالمعنى أنّ الأمم ظنوا أنّ الرسل قد أخلفوا ما وعدوا به من النصر عليهم {جاءهم نصرنا} لهم بخذلان أعدائهم {فنجي من نشاء} ، أي: النبيّ والمؤمنون، وقرأ ابن عامر وعاصم بنون مضمومة بعدها جيم مشدّدة وياء بعد الجيم مفتوحة، والباقون بنونين الأولى مضمومة والثانية ساكنة وتخفيف الجيم وسكون الياء {ولا يرد بأسنا} ، أي: عذابنا {عن القوم المجرمين} ، أي: المشركين ما نزل بهم.
ولما ذكر سبحانه وتعالى هذه القصص وحث على الاعتبار بها بقوله: {أفلم يسيروا} أتبعه بأنّ في أحاديثهم أعظم عبرة فقال حثا على تأملها والاستبصار بها:
{لقد كان في قصصهم} ، أي: يوسف وإخوته أو في قصص الرسل {عبرة} ، أي: عظة