أفلا أكون كالعبد الصالح لما أقرّ الله عينه وجمع أمره قال: {توفني مسلماً وألحقني بالصالحين} .

فإن قيل: الأنبياء عليهم الصلاة السلام يعلمون أنهم يموتون لا محالة على الإسلام، فكان هذا الدعاء حاصله طلب تحصيل الحاصل وإنه لا يجوز؟ أجيب: بأن حال كمال المسلم أن يستسلم لحكم الله تعالى على وجه يستقر قلبه على ذلك الاستسلام، ويرضى بقضاء الله، وتطمئن النفس وينشرح الصدر، وينفسح القلب في هذا الباب، وهذه حالة زائدة على الإسلام الذي هو ضدّ الكفر، والمطلوب هاهنا هو الإسلام بهذا المعنى. فإن قيل: إنّ يوسف عليه السلام كان من أكابر الأنبياء، والصلاح أوّل درجة المؤمنين فالواصل إلى الغاية كيف يليق به أن يطلب البداية؟ أجيب: بأن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: يعني بأن يلحقه بآبائه إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب، والمعنى ألحقني بهم في ثوابهم ودرجاتهم، وولد ليوسف عليه السلام من امرأة العزيز ثلاثة افراثيم وميشا وهو جدّ يوشع بن نون ورحمة امرأة أيوب عليهم السلام، ولما تاقت نفسه إلى الملك المخلد وتمنى الموت فلم يأت عليه أسبوع حتى توفاه الله عز وجل طيباً طاهراً، وتشاح الناس في دفنه فطلب أهل كل محلة أن يدفن في محلتهم رجاء بركته حتى هموا بالقتال، فرأوا أن يجعلوه في صندوق من مرمر ويدفنوه في النيل حيث يتفرّق الماء بمصر ليجري عليه الماء، وتصل بركته إلى جميعهم، قال عكرمة: دفن في الجانب، الأيمن من النيل فأخصب ذلك الجانب، وأجدب الجانب، الآخر، فنقل إلى الجانب الأيسر فأخصب ذلك الجانب وأجدب الآخر، فدفنوه في وسطه وقدّروا ذلك بسلسلة فأخصب الجانبان إلى أن أخرجه موسى عليه السلام ودفنه بقرب آبائه بالشام، وقد يسر الله تعالى

زيارته وزيارة آبائه في عام شرعت في هذا التفسير سنة أربع وستين وتسعمئة جمعني الله تعالى وآبائي وأهلي وأصحابي وأحبابي معهم في دار كرامته. ولما تمّ الذي كان من أمر يوسف عليه السلام وإخوته على الوجه الأحكم، والصراط الأقوم من ابتدائه إلى انتهائه قال تعالى مشيراً إلى أنه دليل كاف في تصحيح نبوّته صلى الله عليه وسلم بقوله:

{ذلك} ، أي: الذي ذكرته لك يا محمد من قصة يوسف عليه السلام وما جرى له مع إخوته، ثم صار إلى الملك بعد الرق {من أنباء الغيب} ، أي: أخبار ما غاب عنك {نوحيه إليك} ، أي: الذي أخبرناك به من أخبار يوسف وحي أوحيناه إليك {و} الحال إنك {ما كنت لديهم} ، أي: عند إخوة يوسف عليه السلام {إذ} ، أي: حين {أجمعوا أمرهم} ، أي: عزموا على أمر واحد، وهو إلقاء يوسف في الجب {وهم يمكرون} ، أي: يدبرون الأذى في الخفية بيوسف، والمعنى أنّ هذا النبأ غيب؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ما طالع الكتب ولا تتلمذ لأحد، ولا كانت البلدة بلدة العلماء، وإتيانه صلى الله عليه وسلم بهذه القصة الطويلة على وجه لا يقع فيه تحريف ولا غلط من غير مطالعة ولا تعلم، ومن غير أن يقال: إنه حاضر معهم لا بدّ وأن يكون معجزاً وقوله تعالى: {وما كنت لديهم} ذكر على سبيل التهكم بهم؛ لأنّ كل أحد يعلم أنّ محمداً صلى الله عليه وسلم ما كان معهم، ولما سألت قريش واليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نقله أبو حيان عن ابن الأنباري عن قصة يوسف عليه السلام، فنزلت مشروحة هذا الشرح الشافي مبينة هذا البيان الوافي فأمّل صلى الله عليه وسلم أن يكون

طور بواسطة نورين ميديا © 2015