اليسير. وحكي أنّ الموفق صلى خلف الإمام فقرأ بهذه الآية فغشي عليه فلما أفاق قيل له في ذلك فقال: هذا فيمن ركن إلى من ظلم فكيف بالظالم ولما خالط الزهري السلاطين كتب إليه أخ له في الدين: عافانا الله وإياك أبا بكر من الفتن فقد أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك أن يدعو الله لك ويرحمك، أصبحت شيخاً كبيراً وقد أثقلتك نعم الله تعالى بما فهمك من كتابه وعلمك من سنة نبيه، وليس كذلك أخذ الله الميثاق على العلماء قال الله سبحانه وتعالى: {لتبيننه للناس ولا تكتمونه} (آل عمران، 187) واعلم أنّ أيسر ما ارتكبت وأخف ما احتملت أنك آنست وحشة الظالم وسهلت سبيل الغيّ بدونك ممن لم يؤد حقاً ولم يترك باطلاً، حين أدناك اتخذوك قطباً تدور عليك رحى باطلهم وجسراً يعبرون عليك إلى ملاذهم وسلّماً يصعدون فيك إلى ضلالهم، يدخلون بك الشك على العلماء ويقتادون بك قلوب الجهلاء، فما أيسر ما أعمروا لك في جنب ما خربوا عليك، وما أكثر ما أخذوا منك فيما أفسدوا عليك من دينك، فما يؤمنك أن تكون ممن قال الله تعالى فيهم: {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً} (مريم، 59) فإنك تعامل من لا يجهل ويحفظ عليك من لا يغفل، فداوِ دينك فقد دخله

سقم، وهيئ

زادك فقد حضر السفر البعيد، وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء والسلام. وقال سفيان: في جهنم واد لا يسكنه إلا القرّاء الزائرون للملوك. وعن الأوزاعي ما من شيء أبغض إلى الله تعالى من عالم يزور عاملاً، أي: من الظلمة. وعن محمد بن سلمة: الذباب على العذرة أحسن من قارئ على باب هؤلاء. قال صلى الله عليه وسلم: «من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب أن يعصي الله في أرضه» . ولقد سئل سفيان عن ظالم أشرف على الهلاك في برية هل يسقى شربة ماء فقال: لا فقيل له: يموت، فقال: دعه يموت. وقوله تعالى: {وما لكم من دون الله من أولياء} ، أي: أعواناً وأنصاراً يمنعوكم من عذابه حال من قوله: {فتمسكم النار} ، أي: فتمسكم النار وأنتم على هذه الحالة {ثم لا تنصرون} ، أي: لا تجدون من ينصركم ويخلصكم من عذاب الله في القيامة. ففي هذه الآية وعيد لمن ركن إلى الظلمة بأن تمسه النار فكيف يكون حال الظالم في نفسه. ولما أمر تعالى بالاستقامة أردفه بالأمر بالصلاة بقوله تعالى:

{وأقم الصلاة} وذلك يدلّ على أنّ أعظم العبادات بعد الإيمان بالله تعالى هو الصلاة وقوله تعالى: {طرفي النهار} الغداة والعشي، أي: الصبح والظهر والعصر. وقوله تعالى: {وزلفاً} جمع زلفةً، أي: طائفة {من الليل} ، أي: المغرب والعشاء {إنّ الحسنات} كالصلوات الخمس {يذهبن} ، أي: يكفرن {السيئات} ، أي: الذنوب الصغائر، لما رواه مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهنّ ما اجتنبت الكبائر» ، وزاد في رواية أخرى: «ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهنّ إذا اجتنبت الكبائر» ، وعن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أرأيتم لو أنّ نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرّات ما تقولون هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يارسول الله، لا يبقى من درنه شيء.u

فقال: ذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بها الخطايا» . وعن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل الصلوات الخمس كمثل نهر جار غمر على باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرّات» . وعن الحسن أنّ الحسنات قول العبد: سبحان والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015