تعالى: {والذين هم من عذاب ربهم مشفقون} (المعارج، 27)

وقوله تعالى: {الذين هم في صلاتهم خاشعون} (المؤمنون، 2) .

فإن قيل: إنه تعالى قال هنا: {وجلت قلوبهم} وفي آية أخرى {وتطمئن قلوبهم بذكر الله} (الرعد، 28)

فكيف الجمع بينهما؟ أجيب: بأنه لا منافاة بينهما؛ لأنّ الوجل هو خوف العقاب، والاطمئنان إنما يكون من اليقين وشرح الصدر بمعرفة التوحيد، وهذا مقام الخوف والرجاء، وقد اجتمعا في آية واحدة وهي قوله تعالى: {تقشعر منه جلود الذين يخشون ريهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله} (الزمر، 23)

عند رجاء ثواب الله.

قال أهل التحقيق: الخوف على قسمين: خوف العقاب وهو خوف العصاة، وخوف الجلال والعظمة، وهو خوف الخواص؛ لأنه تعالى غني بذاته عن كل الموجودات وما سواه من المخلوقات محتاجون إليه، والمحتاج إذا حضر عند الملك الغني هابه وخافه، وليست تلك الهيبة من العقاب بل مجرد علمه بكونه غنياً عنه وكونه محتاجاً إليه يوجب تلك المهابة وذلك الخوف، وأما العصاة فيخافون عقابه، والمؤمن إذا ذكر الله وجل قلبه وخافه على قدر مرتبته {وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً} أي: تصديقاً ويقيناً؛ لأن زيادة الإيمان بزيادة التصديق وذلك على وجهين:

الوجه الأوّل: وهو الذي عليه عامة أهل العلم على ما حكاه الواحدي إن كل من كانت عنده الدلائل أكثر وأقوى كان أزيد إيماناً؛ لأنّ عند حصول كثرة الدلائل وقوّتها يزول الشك ويقوى اليقين، فتكون معرفته بالله أقوى، فيزداد إيمانه، وإليه الإشارة بقوله عليه الصلاة والسلام: «لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجح» .

الوجه الثاني: وهو أنهم يصدقون بكل ما يتلى عليهم من عند الله، ولما كانت التكاليف متوالية في زمنه صلى الله عليه وسلم فكلما تجدد تكليف كانوا يزدادون تصديقاً وإقراراً، ومن المعلوم أن من صدّق إنساناً في شيئين كان أكثر ممن يصدّقه في شيء واحد، فقوله تعالى: {وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً} معناه: أنهم كلما سمعوا آية جديدة أتوا بإقرار جديد، فكان ذلك زيادة في الإيمان والتصديق.

فإن قيل: إن تلك الآيات لا توجب الزيادة وإنما الموجب هو سماعها أو معرفتها أجيب: بأن ذلك هو المراد من الآية، واختلفوا هل الإيمان يقبل الزيادة والنقصان أو لا؟ فالذين قالوا: إن الإيمان عبارة عن التصديق القلبي قالوا: لا يقبل الزيادة ولا النقصان، والذين قالوا: إنه مجموع الاعتقاد والإقرار والعمل قالوا: يقبل الزيادة والنقصان، واحتجوا بهذه الآية من وجهين:

الأوّل: أنّ قوله تعالى: {زادتهم إيماناً} يدل على أنّ الإيمان يقبل الزيادة، ولو كان عبارة عن التصديق فقط لما قبل الزيادة، وإذا قبل الزيادة فقد قبل النقص.

الوجه الثاني: أنه تعالى ذكر في هذه الآية أوصافاً متعدّدة من أحوال المؤمنين، ثم قال بعد ذلك: {أولئك هم المؤمنون حقاً} وذلك يدل على أنّ تلك الأوصاف داخلة في مسمى الإيمان، وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان» ففي الحديث دليل على أنّ للإيمان أدنى وأعلى، فيكون قابلاً للزيادة والنقص، وقال عمير بن حبيب: إن للإيمان زيادة ونقصاناً، قيل له: فما زيادته وما نقصانه فقال: إذا ذكرنا الله وحمدناه، فذلك زيادته، وإذا سهونا وغفلنا فذلك نقصانه، وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن عدي: إنّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015