نفلاً؛ لأنها عطية من الله تعالى وفضل منه كما يسمى به ما يشرطه الإمام لمقتحم خطر عطية له وزيادة على سهمه {قل} يا محمد لهم {الأنفال والرسول} يجعلانها حيث شاءا وأكثر المفسرين أن سبب نزولها اختلاف المسلمين في غنائم بدر كيف تقسم؟ فقال الشبان: هي لنا؛ لأنا باشرنا القتال، وقال الشيوخ: كنا ردأً لكم ولو انكشفتم لفئتم إلينا، فنزلت، وقيل: شرط رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن كان له غنا ـ وهو بفتح الغين المعجمة والمد النفع ـ أن ينفله فسار شبانهم حتى قتلوا سبعين وأسروا سبعين، ثم طلبوا نفلهم، وكان المال قليلاً، فقال الشيوخ والوجوه الذين كانوا عند الرايات: كنا ردأ أي: عوناً لكم وفئة تنحازون إلينا، فنزلت فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم على السواء، رواه الحاكم في المستدرك، وعن عبادة بن الصامت: نزلت فينا معاشر أصحاب بدر حين اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلاقنا، فنزعه الله من أيدينا، فجعله لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقسمه بين المسلمين على السواء، وكان في ذلك تقوى الله وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإصلاح ذات البين، وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه إنه قال: لما كان يوم بدر وقتل أخي عمير، وقتلت به سعيد بن العاص وأخذت سيفه، وأتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم واستوهبته منه فقال: هذا ليس لي ولا لك اطرحه في القبض، وهو بفتحتين: ما قبض من الغنائم فطرحته، وبي ما لا يعلمه إلا الله تعالى من قتل أخي وأخذ سلبي، فما جاوزت إلا قليلاً حتى نزلت سورة الأنفال، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم «سألتني السيف وليس لي وإنه قد صار لي
اذهب فخذه» وقيل: إنها نزلت فيما يصل من المشركين إلى المسلمين بغير قتال من عبد أو أمة أو متاع، فهو للنبيّ صلى الله عليه وسلم يصنع فيه ما يشاء.
واختلفوا هل هذه الآية منسوخة أو لا؟ فقال مجاهد وعكرمة: هي منسوخة بقوله تعالى: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فإنّ خمسه وللرسول} (الأنفال، 41)
الآية فكانت الغنائم يومئذٍ للنبيّ صلى الله عليه وسلم فنسخها الله تعالى بالخمس، وقال بعضهم: هي ناسخة من وجه ومنسوخة من وجه وذلك أن الغنائم كانت حراماً على الأمم الذين من قبلنا في شرائع أنبيائهم، وأباحها الله تعالى بهذه الآية لهذه الأمة، وجعلها ناسخة لشرع من قبلنا، ثم نسخت بآية الخمس، وقال عبد الله بن زيد بن أسلم: هي ثابتة غير منسوخة، ومعنى الآية: قل الأنفال لله وللرسول يضعها حيث أمره الله تعالى، وقد بيّن الله تعالى مصارفها في قوله: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فإنّ خمسه} الآية.
فإن قيل: ما معنى الجمع بين ذكر الله والرسول؟ أجيب: بأنّ معناه أن حكم الغنيمة مختص بالله ورسوله بأمر الله يقسمها على ما تقتضيه حكمته، ويمتثل الرسول صلى الله عليه وسلم أمر الله تعالى فيها وليس الأمر في قسمها مفوّضاً إلى رأي أحد {فاتقوا الله} بطاعته، واتركوا مخالفته واتركوا المخاصمة والمنازعة في الغنائم {وأصلحوا ذات بينكم} أي: وأصلحوا الحال فيما بينكم بالمودّة وترك النزاع وتسليم أمر الغنائم إلى الله ورسوله {وأطيعوا الله ورسوله} فيما يأمركم به وينهاكم عنه {إن كنتم مؤمنين} حقاً، فإنّ الإيمان يقتضي ذلك.
{إنما المؤمنون} أي: الكاملون في الإيمان {الذين إذا ذكر الله} أي: وعيده {وجلت} أي: خافت وخضعت ورقت {قلوبهم} أي: أنّ المؤمن إنما يكون مؤمناً كاملاً إذا كان خائفاً من الله تعالى، ونظيره قوله