ذلك وإنكار لفعلهم. ثم أخبر تعالى عن تلهفهم على ما سلف منهم حين لا ينفعهم فقال عز من قائل: {إذا دكت الأرض} ، أي: حصل دكها ورجها وزلزلتها لتسويتها فتكون كالأديم الممدود بشدّة المط لا عوج فيها بوجه {دكاً دكاً} ، أي: مرّة بعد مرّة، وكسر كل شيء على ظهرها من جبل وبناء وشجر فلم يبق على ظهرها شيء وينعدم.

{وجاء ربك} قال الحسن: أمره وقضاؤه {والملك} ، أي: الملائكة. وقوله تعالى: {صفاً صفاً} حال، أي: مصطفين، أي: ذوي صفوف كثيرة فتنزل ملائكة كل سماء فيصطفون صفاً بعد صف محدقين بالجن والإنس. { {

{وجيء} ، أي: بأسهل أمر {يومئذ} ، أي: إذ وقع ما ذكر {بجهنم} ، أي: النار التي تتجهم من يصلاها كقوله تعالى: {وبرزت الجحيم} (النازعات: 36)

ويروى «أنها لما نزلت تغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرف في وجهه حتى اشتدّ على أصحابه فأخبروا علياً فجاء فاحتضنه من خلفه وقبل ما بين عاتقيه، ثم قال: يا نبيّ الله بأبي أنت وأمي ما الذي حدث اليوم وما الذي غيرك فتلا عليه الآية. فقال له علي: كيف يجاء بها؟ قال: يجيء بها سبعون ألف ملك يقودونها بسبعين ألف زمام فتشرد شردة لو تركت لأحرقت أهل الجمع، ثم تعرض لي جهنم فتقول: ما لك ولي يا محمد إنّ الله تعالى قد حرم لحمك علي فلا يبقى أحد إلا قال: نفسي نفسي إلا محمد صلى الله عليه وسلم فيقول: رب أمّتي أمّتي» . وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: تقاد جهنم بسبعين ألف زمام كل زمام بيد ألف ملك لها تغيظ وزفير حتى تنصب على يسار العرش.

وقوله تعالى: {يومئذ} ، أي: يوم يجاء بجهنم بدل من إذ وجوابها {يتذكر الإنسان} ، أي: يتذكر الكافر ما فرط أو يتعظ لأنه يعلم قبح معاصيه فيندم عليها {وأنى له الذكرى} ، أي: ومن أين له منفعة الذكرى. قال الزمخشري: لا بد من حذف مضاف وإلا فبين {يتذكر} وبين {وأنى له الذكرى} تناف وتناقض.

تنبيه: أنى خبر مقدّم والذكرى مبتدأ مؤخر وله متعلق بما تعلق به الظرف. وقرأ {وأنى} حمزة والكسائي بالإمالة محضة، وقرأ ورش بالفتح وبين اللفظين، وقرأ الدوري عن أبي عمرو بالإمالة بين بين والباقون بالفتح. وقرأ {الذكرى} أبو عمرو وحمزة والكسائيّ بالإمالة محضة، وقرأ ورش بين بين، والباقون بالفتح.

{يقول} ، أي: يقول مع تذكره {يا} للتنبيه {ليتني قدّمت لحياتي} ، أي: في حياتي فاللام بمعنى في، أو قدّمت الإيمان والخير لحياة لا موت فيها، أو وقت حياتي في الدنيا.

{فيومئذ} ، أي: يوم يقول الإنسان ذلك وقرأ {لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد} الكسائي بفتح الذال والثاء على البناء للمفعول، والباقون بكسرهما على البناء للفاعل فأمّا قراءة الكسائي فضمير عذابه ووثاقه للكافر، والمعنى: لا يعذب أحد مثل تعذيبه ولا يوثق مثل إيثاقه، وأما على قراءة الباقين فالضمير فيهما لله تعالى إلى غيره، أو الزبانية المتولين العذاب بأمر الله تعالى.

ولما وصف الله تعالى حال من اطمأن إلى الدنيا وصف حال من اطمأن إلى معرفته وعبوديته وسلم أمره إليه فقال تعالى:

{يا أيتها النفس المطمئنة} قال الحسن، أي: المؤمنة الموقنة. وقال مجاهد: الراضية بقضاء الله تعالى. وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بثواب الله تعالى. وقال ابن كيسان: المخلصة. وقال ابن زيد: التي بشرت بالجنة عند الموت وعند البعث ويوم الجمع، ويقال لها: عند الموت.

{ارجعي إلى ربك} ، أي: إلى أمره وإرادته وقال ابن عباس رضي الله تعالى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015