غريباً كما بدأ» «يكون القابض على دينه كالقابض على الجمر» وفي أخرى: «يكون المؤمن فيهم أذل من الأمة» وفي أخرى: «العالم فيهم أنتن من جيفة حمار فالله المستعان» . وقرأ حفص بغير ألف بين الفاء والكاف والباقون بالألف، قيل هما بمعنى، وقيل: فكهين فرحين وفاكهين ناعمين. وقيل: فاكهين أصحاب فاكهة ومزاح.
{وإذا رأوهم} أي: رأى المجرمون المؤمنين {قالوا} أي: المجرمون {إنّ هؤلاء} أي: المؤمنين {لضالون} أي: لإيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم يرون أنهم على شيء، وهم على ضلال في تركهم التنعيم الحاضر بسبب شيء لا يدرى هل له وجود أم لا؟
قال الله تعالى: {وما} أي: والحال أنهم ما {أرسلوا} أي: الكفار {عليهم} أي: على المؤمنين {حافظين} أي: موكلين بهم يحفظون عليهم أحوالهم ويهيمنون على أعمالهم، ويشهدون برشدهم وضلالهم، وهذا تهكّم بهم. وقيل: هو من جملة قول الكفار، وأنهم إذا رأوا المسلمين قالوا: إنّ هؤلاء لضالون، وأنهم لم يرسلوا عليهم حافظين، إنكار لصدّهم إياهم عن الشرك ودعائهم إلى الإسلام، وجدّهم في ذلك.
وقوله تعالى: {فاليوم} منصوب بيضحكون، ولا يضر تقديمه على المبتدأ؛ لأنه لو تقدّم العامل هنا لجاز؛ إذ لا لبس بخلاف: زيد قام في الدار لا يجوز في الدار زيد قام، ومعنى فاليوم أي: في الآخرة {الذين آمنوا} ولو كانوا في أدنى درجات الإيمان {من الكفار يضحكون} وفي سبب هذا الضحك وجوه منها:
أنّ الكفار كانوا يضحكون على المؤمنين في الدينا بسبب ما هم فيه من الضر والبؤس، وفي الآخرة يضحك المؤمنون على الكافرين بسبب ما هم فيه من الهوان والصغار بعد العزة والكبر، ومن ألوان العذاب بعد النعيم والترفه.
ومنها أنهم علموا أنهم كانوا في الدنيا على غير شيء، وأنهم باعوا الباقي بالفاني.
ومنها أنهم يرون أنفسهم قد فازوا بالنعيم المقيم ونالوا بالتعب اليسير راحة الأبد.
ومنها: قال أبو صالح: يقال لأهل النار وهم فيها: اخرجوا وتفتح لهم أبوابها فإذا رأوها وقد فتحت أبوابها أقبلوا إليها يريدون الخروج والمؤمنون ينظرون إليهم، فإذا انتهوا إلى أبوابها غُلِّقت دونهم، يفعل ذلك بهم مراراً فذلك سبب الضحك.
ومنها: أنهم إذا دخلوا الجنة وأجلسوا على الأرائك ينظرون إلى الكفار كما قال تعالى: {على الأرائك} أي: الأسرة العالية {ينظرون} إليهم كيف يعذبون في النار ويرفعون أصواتهم بالويل والثبور ويلعن بعضهم بعضاً.
تنبيه: ينظرون حال من يضحكون، أي: يضحكون ناظرين إليهم وإلى ما هم فيه من الهوان. وقال كعب: بين الجنة والنار كوى، إذا أراد المؤمن أن ينظر إلى عدوّ له كان في الدنيا اطلع عليه من تلك الكوى كما قال تعالى: {فاطلع فرآه في سواء الجحيم} (الصافات: 55)
فإذا اطلعوا من الجنة على أعدائهم وهم يعذبون في النار ضحكوا.
قال الله تعالى: {هل ثوّب الكفار} أي: هل جوزوا {ما كانوا يفعلون} أي: جزاء استهزائهم بالمؤمنين، ومعنى الاستفهام ههنا: التقرير، وثوّبه وأثابه بمعنى واحد إذا جازاه. قال أوس:
*سأجزيك أو يجزيك عني مثوّب
... وحسبك أن يثنى عليك وتحمدى
وقرأ الكسائي وهشام بإدغام اللام في الثاء والباقون بالإظهار. وقول البيضاوي تبعاً للزمخشري أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ سورة المطففين سقاه الله تعالى من الرحيق المختوم يوم القيامة» . حديث موضوع.