القلب وهذا هو الأمر الثاني. وأمّا الثالث فهو قوله تعالى:
{يسقون من رحيق} أي: خمر صافية طيبة وقال مقاتل: الخمر البيضاء. وقال الرازي: لعله الخمر الموصوف بقوله تعالى: {لا فيها غول} (الصافات: 47)
{مختوم} أي: ختم ومنع من أن تمسه يد إلى أن يفك ختمه الأبرار. وقال القفال: يحتمل أن يكون ختم عليه تكريماً له بالصيانة على ما جرت به العادة من ختم ما يكرم ويصان، وهناك خمر أخرى تجري انهاراً لقوله تعالى: {وأنهار من خمره لذة للشاربين} (محمد: 15)
إلا أنّ هذا المختوم أشرف من الجاري.
{ختامه مسك} أي: آخر شربه يفوح منه مسك، فالمختوم الذي له ختام، أي: آخر شربه، وختم كل شيء الفراغ منه. وقال قتادة: يمزج لهم بالكافور ويختم بالمسك. وقال ابن زيد: ختامه عند الله مسك. وقيل: طينه مسك. وقيل: تختم أوانيه من الأكواب والأباريق بمسك مكان الطينة.
{وفي ذلك} أي: الأمر العظيم البعيد التناول، وهو العيش والنعيم أو الشراب الذي هذا وصفه {فليتنافس} أي: فليرغب غاية الرغبة بجميع الجهد والاختيار {المتنافسون} أي: الذين من شأنهم المنافسة، وهو أن يطلب كل منهم أن يكون ذلك المتنافس فيه لنفسه خاصة دون غيره؛ لأنه نفيس جداً، والنفيس هو الذي تحرص عليه نفوس الناس وتتغالى فيه، والمنافسة في مثل هذا بكثرة الأعمال الصالحة والنيات الخالصة.
وقال مجاهد: فليعمل العاملون نظيره قوله تعالى: {لمثل هذا فليعمل العاملون} (الصافات: 61)
وقال مقاتل بن سليمان: فليسارع المتسارعون. وقال عطاء: فليستبق المستبقون. وقال الزمخشري: فليرتقب المرتقبون. والمعنى: واحد. وأصله من الشيء النفيس الذي تحرص عليه نفوس الناس ويريده كل أحد لنفسه، وينفس فيه على غيره أي: يضنّ.
{ومزاجه} أي: ما يمزج به ذلك الرحيق {من تسنيم} وهو علم لعين بعينها سميت بالتسنيم الذي هو مصدر سنمه إذا رفعه؛ لأنها تأتيهم من فوق على ما روي أنها تجري في الهواء مسنمة فتصب في أواني أهل الجنة على مقدار الحاجة، فإذا امتلأت أمسكت.
وقوله تعالى: {عيناً} نصب على المدح، وقال الزجاج: نصب على الحال. {يشرب بها} أي: بسببها على طريقة المزج منها {المقرّبون} وضمن يشرب معنى يلتذ، فهم يشربونها صرفاً، وتمزج سائر أهل الجنة.
{إنّ الذين أجرموا} أي: قطعوا ما أمر الله به أن يوصل، وهم رؤوساء قريش. {كانوا من الذين آمنوا} وهم فقراء الصحابة عمار وصهيب وخباب وبلال وغيرهم من فقراء المؤمنين {يضحكون} أي: استهزاء بهم.
{وإذا مرّوا} أي: المؤمنون {بهم} أي: بالذين أجرموا {يتغامزون} أي: يشير المجرمون إلى المؤمنين بالجفن والحاجب استهزاء بهم. وقيل: يغمز بعضهم بعضاً ويشيرون بأعينهم.x
قيل: جاء عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه في نفر من المسلمين فسخروا منه المنافقون وضحكوا وتغامزوا ثم رجعوا إلى أصحابهم فقالوا: رأينا اليوم الأصلع وضحكوا منه، فنزلت قبل أن يصل عليّ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم
{وإذا انقلبوا} أي: رجع الذين أجرموا برغبتهم في الرجوع وإقبالهم عليه من غير تكرّه {إلى أهلهم} أي: منازلهم التي هي عامرة بجماعتهم. وقرأ حمزة والكسائي في الوصل بضم الهاء والميم، وأبو عمرو بكسر الهاء، والباقون بكسر الهاء وضم الميم {انقلبوا} حالة كونهم {فاكهين} أي: متلذذين بما كان من مكنتهم ورفعتهم التي أوصلتهم إلى الاستسخار بغيرهم، قال ابن برجان: روي عنه عليه الصلاة والسلام: «إن الدين بدأ غريباً وسيعود