لا في الظاهر ولا في الباطن فمتى حفرت على جنب الملح في بعض الأماكن وجدت الماء العذب وإن قربت الحفرة منه؛ قال البقاعي: بل كلما قربت كان أحلى فخلطهما سبحانه في رأي العين وحجز بينهما في غيب القدرة هذا وهما جمادان لا نطق لهما ولا إدراك، فكيف يبغي بعضكم على بعض أيها المدركون العقلاء؟.
{فبأي آلاء} أي نعم {ربكما} أي الموجد لكما والمربي {تكذبان} أبتلك النعم أم بغيرها فهلا اعتبرتم بهذه الأصول من أنواع الموجودات فصدقتم بالآخرة لعلكم تنجون من عذاب الله تعالى.
{يخرج منهما اللؤلؤ} وهو كبار الجوهر {والمرجان} وهو صغار الجوهر، قاله علي وابن عباس والضحاك: وقيل: بالعكس؛ وقيل: المرجان حجر أحمر وقيل: حجر شديد البياض والمرجان أعجمي أي بمخالطة العذب المالح من غير واسطة أو بواسطة السحاب فصار ذلك كالذكر والأنثى، وقال الرازي: فيكون العذب كاللقاح للملح، وقال أبو حيان: قال الجمهور: إنما يخرج من الأجاج في المواضع التي تقع فيها الأنهار والمياه العذبة فأسند ذلك إليهما، وهذا مشهور عند الغواصين. قال مكي: كما قال: {على رجل من القريتين عظيم} (الزخرف: 31)
أي: من إحدى القريتين وحذف المضاف كثير شائع؛ وقيل: هو كقوله تعالى: {نسيا حوتهما} (الكهف: 61)
وإنما الناسي فتاه، ويعزى لأبي عبيدة؛ قال البغوي: وهذا جائز في كلام العرب أن يذكر شيئان ثم يخص أحدهما بفعل، كقوله تعالى {يا معشر الجنّ والأنس ألم يأتكم رسل منكم} وكانت الرسل من الأنس، وقيل: يخرج من أحدهما اللؤلؤ، ومن الآخر المرجان، وقيل: بل يخرجان منهما جميعاً، وقال ابن عباس: تكون هذه الأشياء في البحر بنزول المطر والصدف تفتح أفواهها للمطر وقد شاهده الناس فيكون تولده من بحر السماء وبحر الأرض، وهذا قول الطبري.
وقال الزمخشري: فإن قلت لم قال منهما، وإنما يخرجان من الملح؟ قلت: لما التقيا وصارا كالشيء الواحد جاز أن يقال يخرجان منهما كما يقال: يخرجان من البحر ولا يخرجان من جميع البحر وإنما يخرجان من بعضه؛ وتقول خرجت من البلد وإنما خرجت من محلة من محاله بل من دار واحدة من دوره، وقيل: لايخرجان إلا من ملتقى الملح والعذب ا. هـ.
وقال بعضهم: كلام الله تعالى أولى بالاعتبار من كلام بعض الناس، فمن الجائز أنه يسوقهما من البحر العذب إلى الملح، واتفق أنهم لم يخرجوهما إلا من الملح، وإذا كان في البر أشياء تخفى على التجار المتردّدين القاطعين المفاوز فكيف بما في قعر البحر. قال ابن عادل: والجواب عن هذا أنّ الله تعالى لا يخاطب الناس ولا يمتن عليهم إلا بما يألفون ويشاهدون.
وقرأ نافع وأبو عمرو: يخرج بضم الياء وفتح الراء مبنياً للمفعول، والباقون بفتح الياء وضم الراء مبنياً للفاعل على المجاز. وقرأ السوسي وشعبة: بإبدال الهمزة الساكنة واواً وصلاً ووقفاً، وإذا وقف حمزة أبدل الأولى والثانية.
{فبأي آلاء} أي: نعم {ربكما} أي: الملك الأعظم المالك لكما {تكذبان} أبكثرة النعم من خلق المنافع في البحار وتسليطكم عليها، وإخراج الحلي العجيبة أم بغيرها.
{وله} أي: لا لغيره {الجواري} أي: السفن الكبار والصغار الفارغة والمشحونة فلا تغترّوا بالأسباب الظاهرة فتقفوا معها فتسندوا شيئاً من ذلك إليها، وقرأ: {والمنشآت} حمزة وأبو بكر بخلاف عنه بكسر