الشين بمعنى أنها تنشئ الموج بجريها أو تنشئ السير إقبالاً وإدباراً، أو التي رفعت شراعها أي قلوعها والشراع القلع وعن مجاهد كل ما رفعت قلعها فهي من المنشآت وإلا فليست منها ونسبة الرفع إليها مجاز كما يقال: أنشأت السحابة المطر وقرأ الباقون بفتح الشين وهو اسم مفعول أي أنشأها الله تعالى أو الناس أو رفعوا شراعها.

تنبيه: الجواري جمع جارية وهو اسم أو صفة للسفينة، وخصها بالذكر لأنّ جريها في البحر لا صنع للبشر فيه، وهم معترفون بذلك فيقولون لك الفلك ولك الملك؛ وإذا خافوا الغرق دعوا الله وحده، وسميت السفينة جارية لأنّ شأنها ذلك وإن كانت واقفة في الساحل كما سماها في موضع آخر بالجارية كما قال تعالى: {إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية} (الحاقة: 11)

وسماها بالفلك قبل أن لم تكن كذلك فقال تعالى لنوح عليه السلام: {واصنع الفلك بأعيننا} (هود: 37)

ثم بعدما عملها سماها سفينة فقال تعالى: {فأنجيناه وأصحاب السفينة} (العنكبوت: 15)

قال الرازي: فالفلك أولاً ثم السفينة ثم الجارية ا. هـ. والمرأة المملوكة تسمى أيضاً جارية لأنّ شأنها الجري والسعي في حوائج سيدها بخلاف الزوجة فهي من الصفات الغالبة.

والسفينة فعليه بمعنى فاعله عند ابن دريد؛ كأنها تسفن الماء وفعيلة بمعنى مفعولة عند غيره بمعنى مسفونة وقوله تعالى: {في البحر} متعلق بالمنشآت وقوله تعالى: {كالأعلام} حال إمّا من الضمير المستكن في المنشآت وإمّا من الجواري وكلاهما بمعنى واحد؛ والأعلام الجبال والعلم الجبل الطويل علماً على الأرض قال القائل:

*إذا قطعنا علماً بدا لنا علم*

وقال آخر:

*ربما أوفيت في علم ... ترفعن ثوبى شمالات*

وقالت الخنساء في أخيها صخر:

*وإن صخراً لتأتمّ الهداة به ... كأنه علم في رأسه نار*

أي: جبل فالسفن في البحر كالجبال في البرّ؛ وجمع الجواري. ووحد البحر وجمع الأعلام إشارة إلى عظمة البحر.

{فبأي آلاء} أي: نعم {ربكما} العظمى التي عمت خلقه {تكذبان} أبتلك النعم من خلق موادّ السفن والإرشاد إلى أخذها وكيفية تركيبها وإجرائها في البحر وأسباب لا يقدر على خلقها وجمعها غيره أم غيرها؟.

وقوله تعالى: {كل من عليها فان} أي: هالك غلب فيه من يعقل على غيره وجميعهم مراد؛ والضمير في عليها للأرض قال بعضهم: وإن لم يجر لها ذكر كقوله تعالى: {حتى توارت بالحجاب} (ص: 32)

ورد هذا بأنه قد تقدّم ذكرها في قوله تعالى: {والأرض وضعها} (الرحمن: 10)

وقيل: الضمير عائد إلى الجواري.

قال ابن عباس: لما نزلت هذه الآية قالت الملائكة: هلكت أهل الأرض فنزل: {كل شيء هالك إلا وجهه} فأيقنت الملائكة بالهلاك.

فإن قيل: الكلام في تعدّد النعم فأين النعمة في فناء الخلق؟ أجيب: بأنها التسوية بينهم في الموت والموت سبب للنقل إلى دار الجزاء والثواب.

{ويبقى} أي: بعد فناء الكل بقاء مستمرّا إلى ما لا نهاية له {وجه ربك} أي: ذاته فالوجه عبارة عن وجود ذاته. قال ابن عباس: الوجه عبارة عنه.

فإن قيل كيف خاطب الاثنين بقوله: {فبأي آلاء ربكما تكذبان} وخاطب ههنا الواحد فقال: {ويبقى وجه ربك} ولم يقل وجه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015