فسروا قوله تعالى: {إن أراد} بمعنى قبل الهبة لأن بالقبول منه صلى الله عليه وسلم يتم نكاحه وهذا لا يتصور تقدمه على الهبة؛ إذ القبول متأخر، فإن العصمة كانت في تأخر إرادته عن هبتها، ولما جاء أبو حيان إلى هنا جعل الشرط الثاني مقدماً على الأول على القاعدة العامة، ولم يستشكل شيئاً مما ذكر. قال ذلك البعض. وقد عرضت هذا الإشكال على جماعة من أعيان زماننا فاعترفوا به ولم يظهر عنه جواب إلا ما قدمته من أنه ثم قرينة مانعة من ذلك كما مثلته آنفاً.

ولما كان ربما فهم أن غير النبي صلى الله عليه وسلم يشاركه في هذا المعنى قال الله منبهاً للخصوصية: {خالصة لك} وزاد المعنى بياناً بقوله تعالى: {من دون المؤمنين} أي: من الأنبياء وغيرهم.

تنبيهات: الأول في إعراب خالصة وفيه أوجه: أحدها: أنه منصوب على الحال من فاعل وهبت أي: حالة كونها خالصة لك دون غيرك. ثانيها: أنه نعت مصدرٍ مقدّر أي: هبة خالصة فنصبه بوهبت. ثالثها: أنه حال من امرأة؛ لأنها وصفت فتخصصت، وهو بمعنى الأول، وإليه ذهب الزجاج، وقيل غير ذلك. والمعنى: أنا أحللنا لك امرأة مؤمنة وهبت نفسها لك بغير صداق.

التنبيه الثاني: في انعقاد النكاح بلفظ الهبة في حق الأمة وفيه خلاف: فقال سعيد بن المسيب والزهري ومجاهد وعطاء: لا ينعقد إلا بلفظ الإنكاح أو التزويج، وبه قال مالك وربيعة والشافعي. ومعنى الآية: أن إباحة الوطء بالهبة وحصول التزويج بلفظها من خواصه صلى الله عليه وسلم وقال النخعي وأبو حنيفة وأهل الكوفة: ينعقد بلفظ الهبة والتمليك. وأن معنى الآية: أن تلك المرأة صارت خالصة لك زوجة من أمهات المؤمنين لا تحل لغيرك أبداً بالتزويج، وأجيب: بأن هذا التخصيص بالواهبة لا فائدة فيه، فإن أزواجه صلى الله عليه وسلم كلهن خالصات له، وما مر فللتخصيص فائدة.

التنبيه الثالث: في التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم هل كانت عنده امرأة منهن؟ فقال عبد الله بن عباس ومجاهد: لم يكن عند النبي صلى الله عليه وسلم امرأة وهبت نفسها منه، ولم يكن عنده امرأة إلا بعقد نكاح أو ملك يمين وقوله تعالى {وهبت نفسها} على طريق الشرط والجزاء، وقال غيرهما: بل كانت موهوبة وهو ظاهر الآية، واختلفوا فيها: فقال الشعبي: هي زينب بنت خزيمة الهلالية يقال لها: أم لمساكين، وقال قتادة: هي ميمونة بنت الحارث، وقال علي بن الحسين والضحاك ومقاتل: هي أم شريك بنت جابر من بني أسد، وقال عروة بن الزبير: هي خولة بنت حكيم من بني سليم.

التنبيه الرابع: في ذكر شيء من خصائصه صلى الله عليه وسلم وقد ذكرت منها أشياء كثيرة ينشرح الصدر بها في شرح التنبيه فلا أطيل بذكرها هنا، ولكن أذكر منها طرفاً يسيراً تبركاً ببركة صاحبها عليه أفضل الصلاة والسلام، فإن ذكرها مستحب. قال النووي في روضته: ولا يبعد القول بوجوبها لئلا يرى الجاهل بعض الخصائص في الخبر الصحيح فيعمل به أخذاً بأصل التأسي، فوجب بيانها لتعرف وهي أربعة أنواع:

أحدها الواجبات وهي أشياء كثيرة: منها الضحى، والوتر، والأضحية، وفي الحديث ما يدل على أن الواجب أقل الضحى، وقياسه أن الوتر كذلك. ومنها السواك لكل صلاة، والمشاورة لذوي الأحلام في الأمر، وتخيير نسائه بين مفارقته طلباً للدنيا واختياره طلباً للآخرة، ولا يشترط الجواب له منهن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015