من عجل، والمراد بالإنسان آدم وأورث أولاده العجلة، وقال قوم: معناه خلق الإنسان يعني آدم عليه السلام من تعجيل في خلق الله تعالى إياه لأن خلقه كان بعد خلق كل شيء في آخر النهار يوم الجمعة، فأسرع في خلقه قبل مغيب الشمس، قال مجاهد: فلما أحيا الروح رأسه قال: يارب استعجل بخلقي قبل غروب الشمس وقيل بسرعة وتعجيل على غير ترتيب خلق سائر الآدميين من النطفة ثم العلقة ثم المضغة وغيرها، وقال قوم: من عجل أي: من طين قال الشاعر:
*والنبع في الصخرة الصماء منبته
... والنخل ينبت بين الماء والعجل
ثم قال تعالى مهدداً للمكذبين: {سأريكم آياتي} أي: مواعيدي بالعذاب {فلا تستعجلون} أي: تطلبون أن أوجد العجلة بالعذاب، أو غيره فإني منزه عن العجلة التي هي من جملة نقائصكم؛ لأنها إرادة الشيء قبل أوانه فإن قيل: لم نهاهم عن الاستعجال مع قوله: خلق الإنسان من عجل وقوله تعالى: {وكان الإنسان عجولاً} ، أليس هذا من تكليف ما لا يطاق؟ أجيب: بأن هذا كما ركب فيه الشهوة وأمره أن يغلبها لأنه أعطاه القدرة التي يستطيع بها قمع الشهوة وترك العجلة، وقد أراهم بعض آياته وهو القتل ببدر.
{ويقولون} في استهزائهم {متى هذا الوعد} أي: بإتيان الآيات من الساعة ومقدّماتها وغيرها {إن كنتم} فيما توعدون به {صادقين} أي: عريقين في هذا الوصف يعنون محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهذا هو الاستعجال المذموم المذكور على سبيل الاستهزاء، ثم بيّن تعالى أنهم يقولون ذلك لجهلهم بقوله تعالى:
{لو يعلم الذين كفروا} وذكر المفعول به بقوله تعالى: {حين} أي: وقت {لا يكفون} أي: لا يدفعون {عن وجوههم} التي هي أشرف أعضائهم {النار} استسلاماً وعجزاً {ولا عن ظهورهم} التي هي أشدّ أجسامهم السياطَ {ولا هم ينصرون} أي: لا يمنعون من العذاب في القيامة وجواب لو محذوف والمعنى: لو علموا لما أقاموا على كفرهم ولما استعجلوا العذاب، ولا قالوا: متى هذا الوعد إن كنتم صادقين.
{بل تأتيهم} أي: القيامة {بغتة} أي: فجأة {فتبهتهم} أي: تحيرهم، يقال: فلان مبهوت أي: متحير {فلا يستطيعون ردّها} أي: لا يطلبون طوع ذلك لهم في ذلك الوقت ليأسهم منه {ولا هم ينظرون} أي: يمهلون لتوبة أو معذرة، ولما كان التقدير حاق بهم هذا باستهزائهم بك أتبعه ما يدل على أنّ الرسل في ذلك شرع واحد تسلية له صلى الله عليه وسلم فقال عاطفاً على وإذا رآك:
{ولقد استهزئ برسل من قبلك} أي: كثيرين فلك بهم أسوة، وقرأ أبو عمرو وعاصم وحمزة في الوصل بكسر الدال والباقون بالضم وإذا وقف حمزة أبدل الهمزة ياء ساكنة {فحاق} أي: نزل {بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون} وهو العذاب فكذا يحيق بمن استهزأ بك، ولما أعلم الله تعالى أن الكفار في الآخرة لا يكفون عن وجهوهم النار ولا عن ظهورهم بسائر ما وصفهم به. أتبعه بأنهم في الدنيا أيضاً لولا أنّ الله تعالى يحرسهم ويحفظهم لما بقوا في السلامة، فقال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم
{قل} يا أشرف المرسلين للمستهزئين {من يكلؤكم} أي: يحفظكم {بالليل والنهار من الرحمن} أي: من عذابه إن نزل بكم أي: لا أحد يفعل ذلك {بل هم عن ذكر ربهم} أي: القرآن {معرضون} لا يتفكرون فيه ولا يخطرونه ببالهم فضلاً أن يخافوا بأسه.
{أم} فيها معنى الهمزة للإنكار