لا شريك له، النوع السادس من الدلائل: قوله تعالى:

{وهو} أي: لا غيره {الذي خلق الليل والنهار} ثم أتبعهما أعظم آيتهما بقوله تعالى: {والشمس} التي هي أعظم آية النهار {والقمر} الذي هو أعظم آية الليل {كل} أي: من الشمس والقمر، وتابعه وهو النجوم {في فلك} أي: مستدير كالطاحونة في السماء {يسبحون} أي: يسيرون بسرعة كالسابح في الماء، وللتشبيه به أتى بضمير جمع من يعقل والمراد بالفلك الجنس كقولك: كساهم الأمير حلة، وقلدهم سيفاً، أي: كل واحد منهم، أو كساهم وقلدهم هذين الجنسين، فاكتفى بما يدل على الجنس اختصاراً، ولأن الغرض الدلالة على الجنس، ونزل لما قال الكفار: إن محمداً سيموت:

{وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد} أي: البقاء في الدنيا {أفإن} أي: أيتمنون موتك، فإن {مت فهم الخالدون} فيها لا والله ليسوا بخالدين، فالجملة الأخيرة هي محل الاستفهام الإنكاري، وفي معنى ذلك قول فروة بن مسيك الصحابي:

*وقل للشامتين بنا أفيقوا

... سيلقى الشامتون كما لقينا

وقرأ نافع وحفص والكسائي بكسر الميم والباقون بضمها، ثم بيّن تعالى أن أحداً لا يبقى في هذه الدنيا بقوله تعالى:

{كل نفس ذائقة الموت} أي: ذائقة مرارة الموت، أي: مرارة مفارقة روحها جسدها، فلا يفرح أحد، ولا يحزن لموت أحد بل يشتغل بما يهمه، وإليه الإشارة بقوله: {ونبلوكم} أي: نعاملكم معاملة المبتلي المختبر ليظهر في عالم الشهادة الشاكر والصابر، والمؤمن والكافر كما هو عندنا في عالم الغيب بأن نخالطكم {بالشر} ، وهو المضارّ الدنيوية من الفقر والألم، وسائر الشدائد النازلة بالمكلفين {والخير} وهو نعم الدنيا من الصحة واللذة والسرور، والتمكن من المرادات، وقوله تعالى: {فتنة} مفعول له أي: لننظر أتصبرون وتشكرون أم لا كما يفتن الذهب إذا أريد تصفيته بالنار عما يخالطه من الغش، فبين تعالى أنّ العبد مع التكليف يتردد بين هاتين الحالتين لكي يشكر على المنح ويصبر على المحن، فيعظم ثوابه إذا قام بما يلزم {وإلينا} بعد الموت لا إلى غيرنا {ترجعون} فنجازيكم بما فعلتم، ثم عطف تعالى على قوله: {وأسرّوا النجوى} قوله تعالى:

{وإذا رآك} أي: وأنت أشرف الخلق {الذين كفروا إن} أي: ما {يتخذونك} أي: حال الرؤية {إلا هزواً} أي: مهزواً به يقولون إنكاراً واستصغاراً {أهذا الذي يذكر آلهتكم} أي: بسوء، والذكر يكون بالخير والشر، فإذا دلت القرينة على أحدهما أطلق عليه وذكر العدوّ لا يكون إلا بسوء {وهم} أي: والحال أنهم {بذكر الرحمن} أي: إذا ذكر لهم الرحمن {هم كافرون} وذلك أنهم كانوا يقولون: لا نعرف الرحمن إلا مسيلمة، وهم الثانية للتأكيد، ونزل في استعجالهم العذاب

{خلق الإنسان من عجل} كأنه خلق منه لفرط استعجاله وقلة ثباته، والعرب تقول للذي يكثر منه الشيء: خلقت منه كقولك: خلق زيد من الكرم، فجعل ما طبع عليه بمنزلة المطبوع هو منه مبالغة في لزومه له، ولذلك قيل: إنه على القلب أي: خلق العجل من الإنسان، ومن عجلته مبادرته إلى الكفر، واستعجال الوعد، وقال سعيد بن جبير والسدّي: لما دخل الروح في رأس آدم وعينيه نظر إلى ثمار الجنة، فلما دخل الروح في جوفه اشتهى الطعام، فوثب قبل أن تبلغ الروح إلى رجليه عجلاً إلى ثمار الجنة، فوقع، فقيل: خلق الإنسان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015