أي: الله {لهم آلهة} {موصوفة بأنها تمنعهم} مما يسوءهم {من دوننا} ليس لهم ذلك ثم وصف آلهتهم بالضعف فقال تعالى: {لا يستطيعون} أي: الآلهة {نصر أنفسهم} فكيف ينصرون عابديهم {ولا هم} أي: الكفار {منّا} أي: من عذابنا {يصحبون} أي: يجارون يقال: صحبك الله أي: حفظك وأجارك.
{بل متعنا هؤلاء} أي: الكفار على حقارتهم {وآباءهم} من قبلهم بالنعم استدراجاً {حتى طال عليهم العمر} أي: امتدّت بهم أيام الدنيا بالروح والطمأنينة فحسبوا أن لا يزالوا على ذلك لا يغلبون ولا ينزع عنهم ثوب أمنتهم واستمتاعهم فاغتروا بذلك وذلك طمع فارغ وأمل كاذب، وغلظ ورش اللام بخلاف عنه {أفلا يرون} أي: يعلمون علماً هو في وضوحه مثل الرؤية بالبصر {أنّا نأت الأرض} أي: أرض الكفرة {ننقصها من أطرافها} بتسليط المسلمين عليها وإظهارهم على أهلها بقتل بعض ورّد بعض عن دينه إلى الإسلام فهم في نقص وأولياؤنا في زيادة {أفهم الغالبون} أي: مع مشاهدتهم لذلك أم أولياؤنا. ولما كرّر سبحانه وتعالى في القرآن الأدلة وبالغ في التنبيه عليها على ما تقدم أتبعه بقوله تعالى:
{قل} يا أشرف الخلق لهؤلاء المشركين {إنما أنذركم} أي: أخوّفكم {بالوحي} أي: بالقرآن الذي هو كلام ربكم فلا تظنوا أنه من قبل نفسي {ولا يسمع الصم الدعاء} أي: ممن يدعوهم {إذا ما ينذرون} أي: يخوّفون فهم لترك العمل بما سمعوه كالصم فإن قيل: الصم لا يسمعون دعاء البشر كما لا يسمعون دعاء المنذر، فكيف قيل: إذا ما ينذزون؟ أجيب: بأنه وضع الظاهر موضع المضمر للدلالة على تصامّهم وسدّهم أسماعهم إذا أنذروا، أي: هم على هذه الصفة من الجراءة والجسارة وعلى التصامّ عن آيات الإنذار، وقرأ ابن عامر ولا تسمع بالتاء الفوقية مضمومة وكسر الميم ونصب ميم الصم على الخطاب النبوي والباقون بالياء التحتية وفتح الميم ورفع ميم الصم وفي الدعاء، وإذا همزتان مختلفتان من كلمتين؛ الأولى مفتوحة، والثانية مكسورة قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بتحقيق الأولى وتسهيل الثانية بين الهمزة والياء والباقون بتحقيق الهمزتين، وهذا في حال الوصل، فإن وقف على الهمزة الأولى فالجميع يبتدئون الثانية بالتحقيق، ويقف حمزة وهشام بإبدال الهمزة ألفاً مع المدّ والتوسط والقصر.
{ولئن مستهم} أي: أصابتهم {نفحة} أي: دفعة خفيفة وفي ذلك مبالغات ذكر المس وما في النفحة من معنى القلة فإنّ أصل النفح هبوب رائحة الشيء والتاء الدالة على المرّة {من عذاب ربك} المحسن إليك بنصرك عليهم من الذي ينذرون به {ليقولنّ} وقد أذهلهم أمرها {يا ويلنا} الذي لا نرى بحضرتنا الآن غيره {إنّا كنّا ظالمين} دعوا على أنفسهم بالويل بعد ما أقرّوا بالظلم، ثم ذكر تعالى بعض ما يفعل في حساب الساعة من العدل، فقال عاطفاً على قوله تعالى: {بل تأتيهم بغتة} :
{ونضع الموازين القسط} أي: ذوات العدل {ليوم القيامة} أي: فيه وإنما جمع الموازين لكثرة من توزن أعمالهم ويجوز أن يرجع إلى الوزنات وقيل: وضع الموازين تمثيلاً لإرصاد الحساب السويّ والجزاء على حسب الأعمال بالعدل والصحيح الذي عليه أئمة السلف أن الله تعالى يضع ميزاناً حقيقة توزن به أعمال العباد وعن الحسن هو الميزان له كفتان ولسان، ويروى أنّ داود عليه السلام سأل ربه أن يريه الميزان، فأراه كل كفة ما بين المشرق والمغرب، فغشي عليه