الذي لا يصلح للتقريب أصلاً {نجزيه جهنم} لظلمه {كذلك} أي: مثل هذا الجزاء الفظيع جدّاً {نجزي الظالمين} أي: المشركين، ثم إنه سبحانه وتعالى شرع الآن في الدلائل الدّالة على وجود الصانع، فذكر منها ستة أنواع؛ النوع الأوّل: قوله تعالى:
{أولم ير} أي: يعلم {الذين كفروا} علماً هو كالمشاهدة {أن السموات والأرض كانتا} ولم يقل: كنَّ؛ لأنّ المراد جماعة السموات وجماعة الأرض {رتقاً} قال ابن عباس والضحاك: كانتا شيئاً واحداً ملتزقتين زبدة واحدة {ففتقناهما} أي: فصلنا بينهما بالهواء، والرتق في اللغة السد، والفتق الشق، قال كعب: خلق الله السموات والأرض بعضها على بعض، ثم خلق ريحاً توسطتهما، ففتحهما بها، وقال مجاهد والسدّي: كانت السموات رتقاً طبقة، ففتقها، فجعلها سبع سموات، وكذلك الأرض كانت رتقاً طبقة، ففتقها، فجعلها سبع أرضين، وقال عكرمة وعطية: كانت السموات رتقاً لا تمطر، والأرض رتقاً لا تنبت، ففتق السماء بالمطر والأرض بالنبات، فيكون المراد بالسموات سماء الدنيا، وجمعها باعتبار الآفاق أو السموات بأسرها على أن لها مدخلاً في الأمطار، وإنما قال تعالى: رتقاً على التوحيد، وهو نعت للسموات والأرض لأنه مصدر، والكفرة وإن لم يعلموا ذلك، فهم متمكنون من العلم بالنظر، أو باستفسار من العلماء، أو مطالعة الكتب، وقرأ ابن كثير ألم بغير واو بين الهمزة ولم، والباقون بالواو بين الهمزة واللام.
النوع الثاني من الدلائل: قوله تعالى: {وجعلنا} أي: خلقنا بما اقتضته عظمتنا {من الماء} الماء هو الدافق وغيره {كل شيء حي} مجازاً في النبات وحقيقة في الحيوان فإن قيل: قد خلق الله تعالى بعض ما هو حي من غير الماء كآدم وعيسى والملائكة؟ أجيب: بأن هذا خرج مخرج الأغلب والأكثر، أي: أن أكثر ما خلق الله خلق من الماء وبقاؤه بالماء، وقيل: المراد بالماء ما نزل من السماء أو نبع من الأرض {أفلا يؤمنون} مع ظهور هذه الآيات الواضحات بتوحيدي، النوع الثالث من الدلائل: قوله تعالى:
{وجعلنا في الأرض رواسي} أي: جبالاً ثوابت كراهة {أن تميد} أي: تتحرك {بهم} قيل: إن الأرض بسطت على الماء، فكانت تتحرك كما تتحرك السفينة في الماء، فأرساها الله وأثبتها بالجبال، النوع الرابع من الدلائل: قوله تعالى: {وجعلنا فيها} أي: في الرواسي {فجاجاً} أي: مسالك واسعة سهلة، ثم أبدل منها {سبلاً} أي: مذللة للسلوك، ولولا ذلك لتعسر أو تعذر الوصول إلى بعض البلاد {لعلهم يهتدون} إلى منافعهم من ديارهم وغيرها، وإلى ما فيها من دلائل الوحدانية، النوع الخامس من الدلائل: قوله تعالى:
{وجعلنا السماء} وأفردها مع إرادة الجنس؛ لأن أكثر الناس لا يشاهدون منها إلا السماء الدنيا، ولأن الحفظ للشيء الواحد أتقن {سقفاً} أي: للأرض كالسقف للبيت {محفوظاً} أي: عن السقوط بالقدرة، وعن الفساد والانحلال إلى الوقت المعلوم بالمشيئة، وعن الشياطين بالشهب {وهم} أي: أكثر الناس {عن آياتها} أي: من الكواكب الكبار والصغار، والرياح والأمطار وغير ذلك من الدلائل التي تفوت الانحصار الدالة على قدرتنا على كل ما نريد من البعث وغيره، وعلى عظمتنا بالتفرد بالإلهية وغير ذلك من أوصاف الكمال من الجلال والجمال {معرضون} لا يتفكرون فيما فيها من السير والتدبير وغير ذلك، فيعلمون أنّ خالقها