كان ظناً كما بينه في هذه الروايات قالوا ورأيه عليه الصلاة والسلام في أمور المعايش وظنه كغيره فلا يمتنع وقوع مثل هذا ولا نقص في ذلك وسببه تعلق هممهم بالآخرة ومعارفها وإنما قال صلى الله عليه وسلم ذلك لأنه لم يكن عانا أمر الزراعة ولا الأشجار ولا باشر شيئاً مها فخفيت عليه تلك الحالة وتمسك بالقاعدة الكلية المعلومة التي هي أنه ليس في الوجود ولا في الإمكان فاعل ولا خالق ولا مؤثر إلا الله سبحانه وتعالى فإذا نسب شيء إلى غيره فتلك النسبة مجازية عرفية لا حقيقية فصدر قوله صلى الله عليه وسلم ما أظن ذلك يغني شيئاً فإن الذي يغني في الأشياء وعن الأشياء في الحقيقة هو الله سبحانه وتعالى غير أن الله تعالى قد أجرى عادته بأن ستر تأثير قدرته في بعض الأشياء بأسباب معتادة فجعلها مقارنة لها ومغطاة لها ليؤمن من سبقت له السعادة بالغيب ويضل من سبقت له الشقاوة بالجهل والريب ليهلك من هلك عن بينة ويحي من حي عن بينة وقوله إنما ظننت ظناً إنما أنا بشر اعتذار لمن ضعف عقله مخافة أن يزله الشيطان فيكذب النبي صلى الله عليه وسلم فبكفر أعاذنا الله من ذلك (م) عن رافع بن خديج
• (إنما أنا بشر مثلكم وأن الظن يخطئ ويصيب ولكن ما قلت لكم قال الله فلن أكذب على الله) أي لا يقع مني فيما أبلغه عن الله كذب لا غلط ولا سهو وأما أمور الدنيا التي لا تعلق لها بالدين فأنا فيها واحد من البشر وقد كان صلى الله عليه وسلم في صغره معروفاً بالصدق والأمانة ومجانبة أهل الكذب والخيانة حتى أنه كان يسمى بالصادق الأمين يشهد له بذلك كل من عرفه وإن كان من أعدائه وقد خالفه وسببه ما تقدم فيما قبله (حم هـ) عن طلحة قال الشيخ حديث صحيح
• (إنما أهلك) بالبناء للفاعل وفي رواية هلك (الذين من قبلكم) من بني إسرائيل (أنهم) بفتح الهمزة فاعل أهلك أو في محل نصب بعد حذف الجار على رواية هلك أي إنما هلك الذين من قبلكم من أجل أنهم (كانوا إذا سرق فيهم الشريف) أي الوجيه ذو العشيرة (تركوه) أي لم يحدوه (وإذا سرق فيهم الضعيف) أي الوضيع الذي لا عشيرة له (أقاموا عليه الحد) وسببه كما في البخاري وتمامه عن عائشة أن قريشاً أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا من يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن يجتري عليه إلا أسامة حب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أشفع في حد من حدود الله ثم قام فخطب فقال أيها الناس إنما ضل من قبلكم أنهم كانوا إلخ ثم قال وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها وأيم الله همزنه همزة وصل عند الأكثر وأصله أيمن الله وهو مبتدأ خبره محذوف أي قسمي (حم ق ع) عن عائشة رضي الله تعالى عنها
• (إنما بعثت فاتحاً) للدين بعد غلقه بالتبديل (وخاتماً) للنبوة والرسالة (وأعطيت جوامع الكلم وفواتحه) وفي رواية مفاتح الكلم هما جمع مفتاح ومفتح وهما في الأصل كلما يتوصل إلى استخراج المغلقات التي يتعذر الوصول إليها فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه أوتي مفاتيح الكلام وهو ما يسر الله له من البلاغة