واحدة) فهذه الرحمة تعم كل موجود (فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة) أي الواسعة (لم ييأس من الجنة) أي لم يقنط بل يحصل له الرجاء والطمع في دخولها لأنه يغطي عليه ما يعلمه من النعيم العظيم وعبر بالمضارع في قوله يعلم دون الماضي إشارة إلى انه لم يقع له علم ذلك ولا يقع لأنه إذا امتنع في المستقبل كان ممتنعاً في الماضي وقال فلو بالفاء إشارة إلى ترتيب ما بعدها على ما قبلها (ولو يعلم المؤمن بالذي ند الله من العذاب لم ييأس من النار) أي من دخولها وفي نسخة لم يأمن من النار فهو سبحانه وتعالى غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب والمقصود من الحديث أن الشخص ينبغي له أن يكون بني حالتي الخوف والرجاء (ق) عن أبي هريرة
• (أن الله تعالى خلق يوم خلق السموات والأرض) أي أظهر تقديره لذلك يوم أظهر تقدير السموات والأرض (مائة رحمة) حصره في مائة على سبيل التمثيل وتسهيلاً للفهم وتقليلاً لما عند الخلق وتكثيراً لما عند الله سبحانه وتعالى وأما مناسبة هذا العدد الخاص فقال ابن أبي جمرة ثبت أن نار الآخرة تفضل نار الدنيا بتسعة وتسعين جزأ فإذا قوبل كل جزء برحمة زادت الرحمات ثلاثين جزأ فالرحمة في الآخرة أكثر من النقمة فيها ويؤيده قوله تعالى في الحديث القدسي غلبت رحمتي غضبي اهـ ويحتمل أن يكون مناسبة هذا العدد الخاص لكونه مثل عدد درج الجنة والجنة هي محل الرحمة فكانت كل رحمة بإزاء درجة وقد ثبت أنه لا يدخل أحد الجنة إلا برحمة الله تعالى فمن نالته منها رحمة واحدة كان أدنى أهل الجنة منزلة وأعلاهم من حصلت له جميع أنواع الرحمة وهذه الرحمات كلها للمؤمنين بدليل قوله تعالى وكان بالمؤمنين رحيماً وأما الكفار فلا يبقى لهم حظ في الرحمة لا من جنس رحمات الدنيا ولا غيرها (كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض) أي ملء ما بينهما بفرض كونها جسماً والمراد بها التعظيم والتكثير (فجعل منها في الأرض رحمة) قال القرطبي هذا نص في أن الرحمة يراد بها متعلق الإرادة وأنها راجعة إلى المنافع والنعم (فبها تعطف) أي تحن وترق (الوالدة على ولدها) أي من الإنس والجن والدواب (والوحش والطير) أي والحشرات والهوام وغيرها (بعضها على بعض وادخر) أي امسك (عنده تسعاً وتسعين فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة) أي ضمها إليها قال القرطبي مقتضى هذا الحديث أن الله علم أنواع النعم التي ينعم بها على خلقه مائة نوع فأنعم عليهم في هذه الدنيا بنوع واحد انتظمت به مصالحهم وحصلت به منافعهم فإذا كان يوم القيامة أكمل لعباده المؤمنين ما بقى فبلغت مائة فالرحمة التي في الدنيا يتراحمون بها أيضاً يوم القيامة ويعطف بعضهم على بعض بها وقال المهلب الرحمة التي خلقها الله لعباده وجعلها في نفوسهم في الدنيا هي التي يتقاضون بها يوم القيامة التبعات بينهم وفي الحديث إشارة للمسلمين لأنه إذا حصل للإنسان من رحمة واحدة في هذه الدار المبنية على الأكدار الإسلام والقرآن