الوصل من الله كناية عن عظم إحسانه وإنما خاطب الناس بما يفهمونه ولما كان أعظم ما يعطيه المحبوب لمحبة الوصال وهو القرب وإسعافه بما يريده ومساعدته على ما يرضيه وكانت حقيقته مستحيلة في حق الله تعالى عرف أن ذلك كناية عن عظيم إحسانه لعبده (واقطع من قطعك) كناية عن حرمان الإنسان أي لا أعطف عليه ولا أحسن إليه (قالت) أي الرحم (بلى يا رب) أي رضيت (قال) أي الله (فذلك لك) بكسر الكاف فيهما أي اجعل لك ما ذكر قال العلقمي خاتمة قال في الفتح قال القرطبي الرحم التي توصل عامة خاصة فالعامة رحم الدين وتجب مواصلتها بالتودد التناصح والعدل والإنصاف والقيام بالحقوق الواجبة والمستحبة وأما الرحم الخاصة فبمزيد النفقة على القريب تفقد أحوالهم والتغافل عن زلاتهم وتتفاوت مراتب استحقاقهم في ذلك وقال ابن أبي جمرة تكون صلة الرحم بالمال والمعنى الجامع إيصال ما أمكن من الخير ودفع ما أمكن من الشر بحسب الطاقة وهذا إنما يستمر إذا كان أهل الرحم أهل استقامة فإذا كانوا كفاراً أو فجاراً فمقاطعتهم في الله هو وصلهم بشرط بذل الجهد في وعظهم ثم أعلامهم إذا أصروا أن ذلك بسبب تخلفهم عن الحق ولا يسقط مع ذلك صلتهم بالدعاء بظهر الغيب أن يهتدوا إلى الطريق المتين وفي الحديث تعظيم أمر الرحم وإن وصلها مندوب مرغب فيه وإن قطعها من الكبائر لورود الوعيد الشديد فيه (ف) عن أبي هريرة

• (أن الله خلق الرحمة) أي التي يرحم بها عباده (يوم خلقها مائة رحمة) قال المناوي القصد بذكره ضرب المثل لنا لنعرف به التفاوت بين القسطين في الدارين لا التقسيم والتجزئة فإن رحمته غير متناهية والرحمة في الأصل بمعنى الرقة الطبيعية والميل الجبلي وهذا من صفات الآدميين فهو مؤول من جهة الباري وللمتكلمين في تأويل مالا يسوغ نسبته إلى الله تعالى وجهان الحمل على الإرادة فيكون من صفات الذات والآخر الحمل على فعل الإكرام فيكون من صفات الأفعال كالرحمة أي والذي لا يسوغ نسبته إليه تعالى إلا بتأويل كالرحمة فمنهم من يحملها على إرادة الخير ومنهم من يحملها على فعل الخير ثم بعد ذلك يتعين أحد التأويلين في بعض السياقات لمانع يمنع من الآخر فهاهنا يتعين تأويل الرحمة بفعل الخير فيكون صفة فعل فتكون حادثة عند الأشعري فيتسلط الخلق عليها ولا يصح هنا تأويلها بالإرادة لأنها إذ ذاك من صفات الذات فتكون قديمة فيمتنع تعين الخلق بها ويتعين تأويلها بالإرادة في قوله تعالى لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم لأنك لو حملتها على الفعل لكان العصمة بعينها فيكون استثناء الشيء بنفسه فكأنك قلت لا عاصم إلا لعاصم فتكون الرحمة الإرادة والعصمة على بابها الفضل المنع من المكروهات كأنه قال لا يمتنع من المحذور إلا من أراد السلامة اهـ وجعل السيوطي الاستثناء منقطعاً فقال لكن من رحم الله فهو المعصوم (فأمسك) أي ادخر (عنده تسعاً وتسعين رحمة وأرسل في خلقه كلهم رحمة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015