الناس دون ما افترض الله على عباده وائتمنهم فإنه قد سمى ذلك أمانة فقال تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكتم فمن ضيع شيئاً مما أمر الله به أو ارتكب شيئاً مما نهى الله عنه فقد خان نفسه إذ جلب إليها الذم في الدنيا والعقاب في الآخرة (فإنها بئست البطانة) قال العلقمي ضدّ الظهارة وأصلها في الثوب فاتسع فيما استبطن الرجل من أمره فيجعله بطانة حاله (ومن الكسل والبخل والجبن ومن الهرم وأن أرد إلى أرذل العمر) قال المناوي أي الهرم والخوف أو ضعف كالطفولية أو ذهاب العقاب (ومن فتنة الدجال) أي محنته وامتحانه وهي أعظم فتن الدنيا والدجال فعال بالتشديد وهو من الدجل بمعنى التغطية لأنه يغطي الحق بباطله ولهذا سمي الكذاب دجالاً (وعذاب القبر) قال العلقمي العذاب اسم للعقوبة والمصدر التعذيب فهو مضاف إلى الفاعل على طريق المجاز والإضافة من إضافة المظروف إلى ظرفه فهو على تقدير في أي يتعوّذ من عذاب في القبر وفيه إثبات عذاب القبر والإيمان به واجب وأضيف العذاب إلى القبر لأنه الغالب وإلا فكل ميت أراد الله تعذيبه أنا له ما أراد به قبراً ولم يقبر ولو صلب أو غرق في البحر أو أكلته الدواب أو حرق حتى صار رماداً أو ذرى في الريح وهو على الروح والبدن جميعاً باتفاق أهل السنة وكذا القول في النعيم قال ابن القيم ثم عذاب القبر قسمان دائم وهو عذاب الكفار وبعض العصاة ومنقطع وهو عذاب من خفت جرائمهم من العصاة فإنه يعذب بحسب جريمته ثم يرفع عنه وقد يرفع عنه بدعاء أو صدقة أو نحو ذلك وقال اليافعي في روض الرياحين بلغنا أن الموتى لا يعذبون ليلة الجمعة تشريفاً لهذا الوقت قال ويحتمل اختصاص ذلك بعصاة المؤمنين دون الكفار وعمم النسفي في بحر الكلام فقال أن الكافر يرفع عنه العذاب يوم الجمعة وليلتها وجميع شهر رمضان ثم لا يعود إليه إلى يوم القيامة وإن مات ليلة الجمعة أو يوم الجمعة يكون له العذاب ساعة واحدة وضغطة القبر كذلك ثم ينقطع عنه العذاب ولا يعود إليه إلى يوم القيامة أهـ وهذا يدل على أن عصاة المسلمين لا يعذبون سوى جمعة واحدة أو دونها وأنهم إذا وصلوا إلى يوم الجمعة انقطع ثم لا يعود وهو يحتاج إلى دليل ولا دليل لما قاله النسفي وقال ابن القيم في البدائع نقلت من خط القاضي أبي يعلى في تعاليقه لا بدّ من انقطاع عذاب القبر لأنه من عذاب الدنيا والدنيا وما فيها منقطع فلا بدّ أن يلحقهم الفناء والبلى ولا يعرف مقدار مدّة ذلك أهـ قلت ويؤيد هذا ما أخرجه هناد بن السرى في الزهد عن مجاهد قال للكفار هجعة يجدون فيها طعم النوم حتى تقوم القيامة فإذا صيح بأهل القبور يقول الكافر يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا فيقول المؤمن إلى جنبه هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون (وفتنة المحيا) بفتح الميم أي ما يعرض للإنسان مدّة حياته من الافتتان بالدنيا والشهوات والجهالات وأعظمها والعياذ بالله تعالى أمر الخاتمة عند الموت قال المناوي أو هي الابتلاء عند فقد الصبر (والممات) قال العلقمي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015