وجاء في الحديث لو أنكم لم تذنبوا لذهب الله تعالى بكم وجاء بقوم غيركم فيذنبون فيستغفرون فيغفر لهم وأصل الغفر الستر وغفرت المتاع سترته والمغفر وقاية تستر الرأس في الحرب وغفر الذنب ستره ومحو أثره وأمن عاقبته (يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني) بالنصب جواباً للنفي (ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني) بالنصب كذلك إذ لا يتعلق بي ضرر ولا نفع فتضروني أو تنفعوني لأني الغني المطلق وأنت العبد الققير المطلق (يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً) قال العلقمي معناه أن تقوى العالم بأجمعه لا يزيد في ملك الله تعالى شيئاً وكذلك فجورهم لا ينقص من ملكه شيئاً لأن ملك الله تعالى مرتبط بقدرته وإرادته وهما ذاتيتان لا انقطاع لهما فكذلك ما ارتبط بهما وإنما عائد التقوى والفجور على أهلهما نفعاً أو ضراً (يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد) أي في أرض واحدة ومقام واحد (فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي) لأن أمره تعالى بين الكاف والنون إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون فإن قيل هل يعقل ملك يعطى منه هذا العطاء العظيم ولا ينقص قلنا كالنار والعلم يقتبس منهما ما شاء الله ولا ينقصان بل يزيد العلم بالبذل (إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر) المخيط بكسر الميم وفتح الياء هو الإبرة قال النووي قال العلماء هذا تقريب إلى الأفهام ومعناه لا ينقص شيئاً لأن ما عند الله تعالى لا يدخله نقص وإنما يدخل النقص المحدود الفاني وعطاء الله تعالى من رحمته وكرمه وهما صفتان قديمتان لا يتطرق إليهما نقص فضرب المثل بالمخيط في البحر لأنه غاية ما يضرب به المثل في القلة والمقصود التقريب إلى الأفهام بما شاهدوه فإن البحر من أعظم المرئيات عياناً وأكبرها والإبرة من أصغر الموجودات مع أنها صقيلة لا يتعلق بها ماء (يا عبادي إنما هي أعمالكم) أي جزاء أعمالكم (أحصيها) أي اضبطها واحفظها لكم بعلمي وملائكتي الحفظة قال العلقمي فإن قيل ما الحاجة إلى الحفظة مع علمه قيل ليكونوا شهوداً بين الخالق وخلقه ولهذا يقال لبعض الناس يوم القيامة كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً وبالكرام الكاتبين شهوداً وقيل فيه غير ذلك (ثم أوفيكم إياها) أي أعطيكم جزاءها وافياً تاماً والتوفية اعطاء الحق على التمام (فمن وجد خيراً فليحمد الله) قال العلقمي أي أن الطاعات التي يترتب عليها الثواب والخير بتوفيق الله عز وجل فيجب حمده على التوفيق (ومن وجد غير ذلك) أي شراً (فلا يلومن إلا نفسه) لأن المعاصي التي يترتب عليها العقاب والشر وإن كانت بقدر الله وخذلانه العبد فهي كسب للعبد فليسلم نفسه لتفريطه بالكسب القبيح (م) عن أبي ذر
• (قال الله تعالى إذا ابتليت عبداً من عبادي مؤمناً فحمدني وصبر على ما ابتليته فإنه يقوم من مضجعه ذلك) بفتح الجيم