ويصح منه ولو قال الأعمى إني لا أنظر إلى المحرمات على جهة التمدح لضحك منه الناس وقالوا لشيء لا يقدر عليه كيف يتمدح بتركه (وجعلته محرماً عليكم) أي حكمت بتحريمه عليكم فإذا علمت ذلك (فلا تظالموا) قال المناوي بشدة الظاء وتخفيفه أصله تتظالموا أي لا يظلم بعضكم بعضاً (يا عبادي كلكم ضال) قال العلقمي قال النووي قال المارزي ظاهر هذا أنهم خلقوا على الضلالة إلا من هداه الله وفي الحديث المشهور كل مولود يولد على فطرة الإسلام قال فقد يكون المراد بالأول وصفهم بما كانوا عليه قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم إليهم أو لو أنهم تركوا مع ما في طباعهم من إيثار الشهوات والراحة وإهمال النظر لضلوا وهذا الثاني أظهر اهـ وقال المناوي كلكم ضال أي غافل عن الشرائع قبل إرسال الرسل (إلا من هديته) وفقته للإيمان أي للخروج عن مقتضى طبعه (فاستهدوني) سلوني (اهدكم) انصب لكم أدلة واضحة على ذلك (يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته) قال العلقمي وذلك لأن الناس عبيد لا يملكون شيئاً وخزائن الرزق بيد الله عز وجل فمن لا يطعمه بفضله بقي جائعاً بعد له إذ ليس عليه إطعام أحد فإن قلت كيف هذا مع قوله تعالى وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها قلت هذا التزام منه تفضلاً لا أن للدابة حقاً بالأصالة فإن قيل كيف ينسب الإطعام إلى الله عز وجل ونحن نشاهد الأرزاق مرتبة على هذه الأسباب الظاهرة من الحرف والصناعات وأنواع الاكتساب قلت هو المقدر لتلك الأسباب الظاهرة بقدرته وحكمته الباطنة فالجاهل محجوب بالظاهر عن الباطن والعارف محجوب بالباطن عن الظاهر وفي نص الحكمة ابن آدم أنت أسوء بربك ظناً حيث كنت أكمل عقلاً لأنك تركت الحرص جنيناً محمولاً ورضيعاً مكفولاً ثم أودعت عاقلاً قد أصبت رشدك وبلغت أشدك (فاستطعموني) اطلبوا مني الطعام (أطعمكم) أيسر لكم أسباب تحصيله (يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم) قال العلقمي واعلم أن العالم جماده وحيوانه مطيع لله عز وجل طاعة العبد لسيده فكما أن السيد يقول لعبده اعط فلاناً كذا واهد لفلان كذا وتصدق على هذا الفقير بكذا كذلك الله عز وجل يسخر السحاب فيسقي أرض فلان أو البلد الفلاني ويحرك قلب فلان لإعطاء فلان ويحوج فلاناً إلى فلان بوجه من الوجوه لينال منه نفعاً ونحو ذلك وتصرفات الباري عز وجل في العالم عجيبة لمن تدبرها أن الله هو الرزاق ذو القوة المتين (يا عبادي إنكم تخطئون) بضم أوله وكسر ثالثه أي تفعلون الخطيئة عمداً (بالليل والنهار) قال العلقمي هذا من باب مقابلة الجمع بالجمع أي تصدر منكم الخطيئة ليلاً ونهاراً من بعضكم ليلاً ومن بعضكم نهاراً إذ ليس كل العباد يخطئ بالليل والنهار مع أنه غير ممتنع فيجوز أن يكون مراداً (وأنا أغفر الذنوب جميعاً) قال العلقمي هو كقوله تعالى أن الله يغفر الذنوب جميعاً وهو عام مخصوص بالشرك وما شاء الله أن لا يغفره (فاستغفروني أي اطلبوا مني المغفرة (أغفر لكم)