الصوم لأنه ليس يظهر من ابن آدم ولا يطلع عليه وإنما هو شيء في القلب بخلاف سائر الأعمال فإنها أفعال وحركات ترى وتشاهد ويؤيده حديث الصيام لا رياء في يعني بمجرد فعله وإلا فقد يدخله الرياء بأن يخبر بأنه صائم وقيل المعنى أن العبادات قد كشف مقادير ثوابها للناس وأنها تضعف من عشرة إلى سبعمائة ضعف إلا الصوم فإن الله تعالى تفرد بمقدار علم ثوابه وتضعيف حسناته فقوله وأنا أجزي به أي جزاء كثيراً من غير تعيين لمقداره وقيل معناه أنه أحب العبادات إليّ والمقدم عندي وقيل أن الصيام لم يعبد به غير الله تعالى بخلاف الصلاة والصدقة والطواف ونحو ذلك وقيل أن جميع العبادات توفى منها مظالم العباد إلا الصوم أخرج البيهقي عن ابن عيينة قال إذا كان يوم القيامة يحاسب الله عبده ويؤدي ما عليه من المظالم من عمله حتى ما يبقى له إلا الصوم فيتحمل الله ما بقي عليه من المظالم ويدخله بالصوم الجنة والصيام جنة قال العلقمي زاد أحمد وحصن حصين من النار والجنة بضم الجيم القاية والستر وقد تبين متعلق هذا الستر وأنه من النار وبهذا جزم ابن عبد البر وأما صاحب النهاية فقال معنى كونه جنة أنه يقي صاحبه ما يؤذيه من الشهوات (وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث) بتثليث الفاء لايتكلم بقبيح (ولا يصخب) بصاد وسين مهملتين وبخاء معجمة أي لا يصيح ولا يخاصم قال في النهاية الصخب والسخب الصيحة اضطراب الأصوات للخصام (وإن سابه أحد) أي شاتمه (أو قاتله) أي أراد مقاتلته (فليقل) بقلبه إن كان صيامه نفلاً وبلسانه وقلبه إن كان في رمضان (إني امرء صائم) ليكف نفسه عن المسابة والمقاتلة (والذي نفس محمد بيده) أي بقدرته وتصريفه (لخلوف) بضم الخاء المعجمة واللام وسكون الواو بعدها فاء قال عياض هكذا الرواية الصحيحة وبعض الشيوخ يقول بفتح الخاء قال الخطابي وهو خطأ وحكى عن القابسي بالوجهين وبالغ النووي في شرح المهذب فقال لا يجوز فتح الخاء واحتج لذلك بأن المصادر التي جاءت على فعول بفتح أوله قليلة ذكرها سيبويه وغيره وليس هذا منها أي ريح (فم الصائم) فيه رد على من قال لا تثبت الميم في الفم عند الإضافة إلا في ضرورة الشعر لثبوتها في هذا الحديث وغيره قاله في الفتح (أطيب عند الله من ريح المسك) قال العلقمي في الفتح اختلف في كون الخلوف أطيب عند الله من ريح المسك مع أنه سبحانه وتعالى منزه عن استطابة الروايح إذ ذاك من صفات الحيوان ومع أنه يعلم الشيء على ما هو عليه والجواب على أوجه قال الماوردي هو مجاز لأنه جرت العادة بتقريب الروايح الطيبة منا فاستعير ذلك من الصوم لتقريبه من الله فالمعنى أنه أطيب عند الله من ريح المسك عندك أي يقرب إليه أكثر من تقريب المسك إليكم وقيل المراد أن ذلك في حق الملائكة وأنهم يستطيبون ريح الخلوف أكثر مما يستطيبون ريح المسك وقيل المراد أن الله يجز به في الآخرة فتكون نكهته أطيب من ريح المسك كما يأتي المكلوم وريح جرحه يفوح مسكاً وقيل المراد أن صاحبه ينال من الثواب ما هو أفضل