فعند قوله هذا تذكر الفارياق قول المطران لقيعر قيعار وأولجت فيها. فذكرها للخواجا المذكور فغلب عليه الضحك حتى فحص الأرض برجله. ثم قال نعم وإني لفي كتب الكنيسة كلها أغلاطا فاضحة من هذا النوع. فقد قرأت في كتاب منها عن بعض الرهبان إنه كان من التواضع على جانب عظيم حتى إنه كان كلما مرّ عليه رئيسه يقوم وينتصب عليه، أي له. وعن آخر أنه بلغه عن راهبة ما أنها كانت ذات كرامات ومشاهدات. فكان يستمني دائما أن يراها، أي يتمني. وعن آخر أنه كان خرج من ديره وغاب عنه مدة طويلة ثم رجع فوجد رئيسه الأول قد مات وولى رئاسته أحد أصحابه. وأنه بعد أن تفاوضا وتباشرا قلده الرئيس خدمة تهبيب الرهبان ليلاً. أي إيقاظهم من هب إذا قام. وعن بعض المطارنة إنه كان إذا وعظ في الكنيسة ينتعظ له كل من يسمعه، أي يتعظ. وغير ذلك مما لا يحصى بل قد ورد في الإنجيل وكلام الرسل كلام فاسد المعنى ومنشاه فيما أظن جهل المعربين. فمن ذلك ما ورد في إنجيل متى خطابا عن المسيح عم. إحذروا لا يضلكم أحد فإنه سيأتي باسمي كثيرون قائلين أنا هو المسيح فلا تصدقوهم. والمراد أن يقال أن كثيراً ينتحلون أسمي فيدعي كل منهم بأنه هو المسيح. وشتان ما بين الكلامين. وفي رسالة ماربولس إلى طيموتاوس. ولتكن الشمامسة أزواج زوجة واحدة. ومقتضاة اشتراك الشمامسة في بضع واحد. معاذ الله أن يكون كلامي هذا ازدراء بالدين وإنما أوردت ذلك شاهدا على جهل من عرب وألفّ من أهل ملتنا. نعم أن بعض المطارنة قد ألفوا تآليف مفيدة جودوا عباراتها وحرروا معانيها. إلا أن الجمهور من أهل الكنيسة جهال أغبياء لا يعجبهم إلا الكلام الفاسد الركيك. ولقد أفضى بنا هذا الاستطراد إلى غير الغرض.
فلنعد إلى ما كنا بصدده وهو إسعافك أيها الخدين بما يريحك من حمل الخرج. هل لك في أن تكون كاتبا عند رجل من السراة الأغنياء يريد أن ينشي ممدحاً يكتب فيه بلغات مختلفة مساعيه ومعاليه. فيكون شغلك فيه في كل يوم بيتين أو أكثر بحسب الاقتضاء. قال فقلت إني يا سيدي ما بلغت من العلم ما يؤهلني إلى هذه الرتبة. ونحن في هنا في بلد العلم والأدب فأخشى أن يصدى لي قوم يزيفون كلامي ويخطئونني. فأخجل والله بعدها من أن انظر إلى وجه مخلوق من البشر. فإني رجل أحب الخمول وإن بضاعتي في ذلك لمزاجاة. قال لا تخش من ذلك فإن أهل مصر وإن كانوا قد تقصوا حد العلم وبرعوا في الفضل والأدب على غيرهم. إلا أنهم لا يتعنتون على الناظم أو الناثر بلفظة يخل فيها عفوا. أو بمعنى يخطي فيه سهواً. فإنهم أهل سماح ومياسرة. على أن من نبغ في الشعر أن لم يلق من ينتقد قوله مرة ومن يخطئه أخرى فلا يمكنه أن يصل إلى مرتبة الشعراء المجيدين. ولو بقي ينظم أبياتا ويودعها سمعه فقط لما عرف الخطأ من الصواب قط. فلا يكاد أحد يصيب إلا عن خطأ. وقد جرت العادة بين الشعراء بأن ما يستهجنه بعضهم من المعاني والألفاظ يستحسنه البعض الآخر. فلا يزال الشاعر والمؤلف بين أثنين عاذل وعاذر. ومخطئ ومصوب. ومفسق ومبري. ومعترض ومناضل. وراتق وفاتق. وممزق ورافئ. وخارق وراقع. وحاضر ومسوغ. ومضيق وموسع وقائل لم وقائل لأن. حتى ترجع حسناته سيئاته. وتتداول الناس أبياته. وقد طالما حاول الشهرة أناس بالقول المردود. والكلام المقصود. فمنهم من نظم أبياتا مهملة أي عارية عن النقط فأهملت. ومنهم من التزم فيها الحبك بأن يجعل في أول بيت منها حرفا من حروف اسم الممدوح فتركت وألغيت. ومنهم من جعل دابة التجنيس والتوريات البعيدة فردت وزيفت.
واكتفوا من ذلك بمجرد الشهرة بين قومهم ولم يبالوا بالتعرض للَّوم والتفنيد.
وإني أعيذك من أن تعدّ في جملة هؤلاء. فإني رأيت في إنشائك نزوات أفكار لطيفة تدل على قريحة جيدة. وسليقة متوقدة. وبعد فمن ذا الذي ما ساء قط. قال فقال والله أن لك عليّ لمنتين عظيمتين الأولى عنايتك بمعاشي. والثانية تنشيطك إياي إلى النظم. فقد كنت جزمت بأن لا أقول الشعر إلا مكتوما عن الناس وها أنا لك يا سيدي من الشاكرين. وبكرمك من الزائرين. ثم انصرف من عنده داعيا له وقد اضمر مفارقة الخرجي في اليوم القابل.