وأعلم أن أهل باريس قد اصطلحوا على أمور في المعاش والنساء تميزوا بها عمن سواهم. أما في المعاش فإن من يأكل منهم في المطاعم الشائعة فأنه يشارط صاحب المحل أو بالحري صاحبته على أن يعطيها في الشهر قدراً معلوماً ويأكل عندها شيئاً معلوماً. فتعطيه تذاكر تؤذن بعدد المرات فيدفع ثمنها ثم يعيدها عليها فيودّي عن كل غداء أو عشاء تذكرة. فيتوفر عليه في ذلك ربع المصروف. وقس عليه الحمامات والملاهي وما أشبهها. فأما أمر النساء فإن أصحاب البيع والشراء لما كانوا قد اتخذوا لإدارة أشغالهم نساء حساناً كما سبقت إليه، فإذا خرجن في الليل بعد انقضاء أشغالهن ترصدتهن الرجال ودعوهن إلى مواضع الأكل والقهوة والرقص واللعب. فتذهب كل واحدة مع من تحب. فمتى رافقته إلى أحد هذه المواضع علم أن حقه صار لازب. فأما أن يستوفيه منها تلك الليلة فقط أو يوافقها على إعادة الوصل في كل أسبوع مثلاً مرتين أو ثلاثاً وإن يعطيها في آخر الشهر أُجرة معلومة. وما بقي لها من الساعات فإنها تؤجره لآخرين بأجرة معيَّنة. فترى للواحدة منهن عدة عشاق تواصلهم في أوقات مختلفة من الليل والنهار. ومع ذلك فلا تزال تلقب بُدمْوازل وهي كلمة تطلق على الأبكار على وجه التعظيم. ومعناها سيدة غير ذات بعل. ومنهم من يتصدى لمعرفة هؤلاء البنات من المراقص. فيعمد الرجل إلى بنت ويدعوها للرقص. فإذا أعجبته وأعجبها دعاها للشراب في موضع مخصوص في المرقص وعقد عليها عقد الزيارة الشهري. ومن عامل واحدة منهن مشاهرة لم ينفق عليها نصف ما ينفقه لو قضاها على مرة على حدتها وللنساء رخصة في باريس إن يدخلن جميع المراقص العمومية من دون أن يدفعن شيئاً اجتذاباً للرجال بكثرتهن. ولكن عليهن أن يرقصن معهم إذا استرقصوهنَّ. إلا إذا اعتذرن لهم بعذر يقبلونه كأن تقول المدعوة مثلاً قد دعاني آخر من قبلك فلا بد لي من أن أرقص معه أو نحو ذلك. ثم لا حرج أيضاً على من اكترى في منزل بيتاً مفروشاً كان أو غير مفروش إن تزوره صاحبته في مسكنه. شواء كانت من النوع الذي ذكرناه أعني من النساء اللائي بمنزلة بين الحرائر والزواني أو من غيره. وإن تبيت عنده على علم من الجيران والسكان. فإن منزلة هذا عند منزلة أهل باريس كمنزلة المتزوج. ولا فرق عند أهل باريس بين امرأة متزوجة لها سبعة بنين وسبع بنات تربيهم في تقوى الله وطاعة الملك وبين قحيبة تبيع عرضها لكل إبن سبيل وتتفنشخ لكل مجتاز في الطريق كما تقول التوراة.