ويرقبني الهرّ إن كنت آكل ... يُمني ليمني ويُسري ليسري

وبنتي ليزا تؤاسيه مما ... لديها فمنها يلازم حجراً

وقد كان عندي من قبل جرو ... تلوّن بطنا وصدراً وظهراً

وكنت عليه لفي غاية الحر ... ص اسقيه ملء كؤوسي درّا

فجاءت عزيزة قوم إلينا ... فرامته مني والعين شكري

وكان ينام على فخذيّ ... ويلحس رُغفي إذا ما اسبطرا

وكان فلان أتاني عام كذا ... بُجريّ فما عاش شهرا

وتسأل أن تنس تاريخ ... ذاك النهار المعظم زيداً وعمراً

إلى أن قال.

فأما النساء فمما اختصصن ... به أكل ما أشبه التين نحراً

ويأكلن والراح منهن بالجلد ... مستترات ويمضغن سرّا

وتسمع للشاي قرقرة من ... معاهن تحكي هنا قرَّ قرّا

وتأخذ في صحنها بالمشكَّة ... قدراً من اللحم يشبه ظفراً

فتعلكه برهة من زمان ... ليمرأ من بعد أن يتهرّا

وزوج المضيف تقول له خذ ... عزيزي مما أمامك وَزْرا

فيشكرها ويقول لقد ... كثر الفضل منك عليّ ودرّا

وتجلس تقسم أكل الضيوف ... فتعطيك من ذاك نزرا فنزوراً

وفي كل نزر تنال تطأطئ ... رأسك رغماً وتشكر شكراً

وإن يك لونان قالت لك اختر ... نصيبك مما هنّا وتحرّا

كان لم يجز بين ذينك جمع ... كأنك ناكح أختين تترى

فقالت هذا تكليف فوق الطاقة فما أنا بالذائقة عندهم شيئاً ولو كان المنّ والسلوى. قلت ومع ذلك فهم ذوو محامد شهيرة. وفضائل كثيرة. ليست في غيرهم من الإفرنج منها إنجاز الوعد وصدق الوفاء في الحضرة والغيبة. وتوفية أجر من يعمل لهم ومراعاة حرمته أي إكرامه لا أنهم يعفون عن زوجته. قالت لا تتكلف التفسير فما ذلك بشذوذ عن القاعدة.

قلت ومنها إنهم قليلو الكلام كثيرو الفعل. حسنو المعاطاة للأمور بالترتيب والسياسة. والرشد والكياسة. ومن يأت إلى بلادهم فلا يسأل عن جواز ولا إجازة. ولا يهمه أن كان جاره قاضي القضاة أو وزير الوزراء أو شرطياً أو جلوازا. ولا يخاف أن يسكن داراً أو يدخل مثابة فيها بعض الشرطة فيرهقوه بكلام ونحوه مما يكون سبباً في سجنه أو غرامته فكل الناس في الحقوق البشرية عندهم متساوون. هذا وانهم يحبون الغريب ما خلا أوباشهم. ويشفقون على الفقير ويغيثون المحتاج. ويكرمون ذوي السيادة والمجد ويعرفون قدر ذوي العلم. ويعينون على إدراك العلوم والمعارف في البلاد الأجنبية. وعندهم جمعيات منعقدة لإجراء كل نفع وخير. وإزالة كل شر وضير. وكثير من الأطباء هنا يداوون المرضى مجاناً ما عدا المستشفيات المبثوثة في كل قطر وصقع من بلادهم. ومن ينزل نزلاً لديهم أو يستأجر غرفة في منازلهم فإن صاحبة المنزل تؤانسه وترفق به وتحفه وترفه وتمرضه. وتدعوه إلى مسامرتها ومجالستها من غير أن يستاء زوجها لذلك. وإذا اتفق وقتئذ أن زارها بعض معارفها تعرّفهم به وتنوه باسمه. وإنه إذا قدم إلى بلادهم أحد بكتاب توصية احتفل به الموصَّي إلى منزله وجعل اسمه نضبَها عند إخوانه ومعارفه. ولا يدع شيئاً في وسعه إلاّ ويبذله لراحته ورفاهيته ونخله له الود والنصح حاضراً وغائباً. فرُقعة وصاة بيد صاحبها تفيزه عندهم بأب وأم وأهل وأخوان. وفي الجملة فإن كفة محامدهم ترجح كفّة مذامهم. وليس الكامل إلا الله وحده سبحانه وتعالى. وليس شيء من هذه المزايا الحميدة موجوداً في غيرهم من الإفرنج لأن غيرهم محاحون ملثيون مراوغون، ذوو أيادي مغلولة والسنة مطلقة. فهم ليسوا كل صحابنا في الرشد والاستقامة ولا مثلنا في الأنس والكرم. قالت قد فهمت هذا كله فينبغي أن نعود إلى تفسير البيتين بشرط أن لا تأتي بشيء من عندك فإني أعرف تزيدك في الكلام. قلت كأنك تقولين إني ذو فضول غير فعول كما ذكرت ذلك غير مرة. قالت إذا كنت قد الفته فما يضرك الآن وإلاّ فعدّها فلتة. قلت دونك تفسيرهما من دون تزبّب.

قم عجلاً قم سؤلي عندك ... وأبلغ إربا منها جهدك

فلقد ضجرت ولها بعل ... يبغي أن يعسلها بعدك

فقالت أنت قلت إن الشاعر يشكو من امرأة وهاهو يشكو من نفسه. وليس المرأة بملومة على ضجرها في مثل هذه الحال. قلت لمثلك تلقى مقاليد الشرح. قالت ومنه يرجى تخفيف البرح.

خواطر فلسفية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015