ثم الفارياق انتقل إلى المدينة وهناك تعرّف بجماعة من أهل الفضل والأدب. منهم من أدبه ومنهم كم أترفه وهناك حظي بتقبيل يد المولى المعظم ونال منه الصلات الوافرة. وسأله وزير الدولة هل تعرف اللغة الفرنساوية. قال لا يا سيدي ما عنيت بها. فإني ما كدت أتعلم لسان الإنكليز حتى نسيت من لغتي قدر ما تعلمته منه. فقد قُدّر على رأسي أن يسع قدراً معلوماً من العلم فمتى زاد من جهة نقص من أخرى. فلما أخبر زوجته بذلك قالت له ألم أقل لك غير مرة عَدّ عن الغزل بالنساء وتعلم هذه اللغة المفيدة وما كنت لترعوي عن هواك. ماذا تريد من الغزل وعندك زافنة. قال فقلت نعم ورافنة. ثم ماذا يفيدك وصف العين بالحوَر ولست منهن تقضي الدهر من وطر. أليس وراءك مني رقيب قريب. قلت بلى والله أني ما خلوت قط بامرأة في الحلم إلا ورأيتك وراءها. حتى كثيراً ما شاهدتك تمزقين ثوبها وتنتفين شعرها ثم تتبوئين مكانها وترسلينها فارغة. فقالت الحمد لله على أن ألقي رُعبي في قلبك في اليقظة والمنام. قلت قد بدأ لي أن أنتقل من التغزل بالنساء إلى هجوهن فعسى أن أنتقل بذلك إلى حال أحسن. قالت أفعل ما بدأ لك ولكن إياك من أن تدخلني في الجملة. ولكن قف قف لا تذكر النساء لا في النسيب ولا في الهجاء. فأنك أول ما تذكر اسمهن يدور رأسك وينبض فيك العرق القديم، كلاّ ثم كلا. قلت ولكن في مدح سيدنا الأمير قد ذكرت اسم امرأة. فقالت وقد اتقدت عيناها من الغيظ. مَن هذه الفاعلة الصانعة. قلت هو اسم عربي. قالت آه هو من ضلالك القديم. ولو كان اسماً عجمياً لقمت الآن واحترقت ديوانك هذا الذي هو عليّ أشد من الضرّة لأنك تصرف فيه نصف الليالي. فقلت لكن هذا النصف ليس بمانع من كله. قالت لكن ذاك الكل حق لي وضعفي مثله. قلت صدقت ما خُلق الليل إلا للنساء وما خلقن هن إلا لليل. قالت سلمتُ بالأولى ولا أسلم بالثانية. فإن النساء خلقن للنهار أيضاً. قلت نعم ولكل ساعة منه وليس للرجل همّ في الدنيا غير امرأته. قالت الأولى أن تقول اهتمام. قلت في كل اهتمام همّ. قالت هذا عند الرجال من فشلهم وليس كذلك عند النساء. قلت هو من خفة عقولهن وثقل نهمهن فإن اللذة تذهلهن عن الدين والدنيا معاً. قالت بل هن يجمعن بين الثلاثة في مكان واحد وآن واحد. وأما أنتم فمتى كلفتم بواحدة منها أغلفتم الأخرى. وهذه من المزايا التي مزّانا بها الباري تعالى عليكم ألا ترى أن المرأة إذا سمعت مثلاً خطيباً جميلاً يخطب في الناس ويزيدهم في الدنيا تلذذت بكلامه وشغفت حباً بجماله وبكت زهداً في العالم. قلت بودي لو كانت النساء يخطبن على المنابر كالرجال قالت لأبكينهم دماً. ولكن هيهات فإن الرجال من أثرتهم استبدوا بجميع الأمور المعاشية والمعادية وبمراتب العز والجاه. وحرموا النساء من أن يشاركنهم فيها. فما كان أبهج الكون وأعمره لو كانت النساء تتولى هذه الرتب. وكما أن الدنيا مؤنثة وكذا السماء والأرض والجنة والحياة والروح والنفس والنبوة والرسالة والسعادة والحظوة والغبطة والعزة والنعمة والرفاهية والأبَّهة والعظمة والخطابة والفصاحة والبلاغة والسماحة والشجاعة والفضيلة والمروءة والحقيقة والملة والشريعة والأيالة والولاية والزعامة والرئاسة والحكومة والسياسة والنقابة والنكابة والعرافة والإمارة والخلافة والوزارة والمملكة والسلطنة وأخص ذلك المحبة واللذة والشهوة. فما كان أجدرها بأن تشرف بالنساء. قلت قد نسيت العفة والحصانة. قالت لم تخطر لي ببال وإلا لذكرتها. قلت ولكن البعال مذكر. قالت أين أنت من المباعلة. قلت والهكهكة. قالت وما الهكهكة. قلت مضاف هكّ هك أي هني هني أي طحز طحز أي فعل فعل. قالت هي أحسن مما تقدم. قلت فتقولي إذاً أخيرّاً وإلا فهو كفر وخمج. قالت على النساء لا حرج فإن منهن الفرج. قلت نعم للفرج إذا أبصرن ذا فرج. قالت والأرج. قلت والمرج. قالت وهنّ أحق بذي برج. قلت وبمن نيرج. قالت الجميع بينهما بلج. قلت والثاني عند تعذر الأولى هو الأفلج. قالت وبه اللسان الهج.
ثم عزما على الرجوع فسفرهما المولى المشار إليه في سفينة النار.