فهذا وأمثاله أصلحك الله ينبغي أن تشنّف به مسامع أصحابك الكرام. عسى أن ينشطوا إلى إنشاء مدرسة أو ترجمة كتاب أو لإرسال ولدهم إلى بلد يتأدبون فيها بالآداب المحمودة والمناقب الكريمة. وإياك يا سيدي من أن تميل قبل كل هذا كله إلى أن تأخذ عن بعضهم الخصال الذميمة كالطيش والنزق والبخل والفسق والكبر ومد الرجلين في وجه جليسك فقد ذكرت لك آنفاً أن البلاد التي تكثر فيها الفضائل تكثر فيها الرذائل أيضاً وإنه ليس من إنسان إلا وفيه عيب بل عيوب. غير إنه ينبغي لكل منا أن لا يزال يجد ويسعى في طريق الكمال وفي تهذيب أخلاقه وحواسه الباطنة بكل ما يبدو لحواسه الظاهرة. وكما أن لذة الحواس لا يشعر بها الإنسان إلا في مقدم جسمه دون مؤخره كذلك ينبغي لكل ذي جسم من الحيوان الناطق أن يعتمد على التقدم في المعارف والدراية. والمحامد إلى الغاية. وكنت أود لو أن أحداً من أهل بلادنا نقل فضيلة أو مأثرة عن هؤلاء الناس إلى إخوانه ومعارفه كما تنقل الأخبار والروايات. وبودي لو يستحيل أصناف الماس والزمرد والياقوت والدهنج والثعثع والدر والعقيان والكهرباء والمها وقلنسوة الراهب معها حالة كونها معدودة من الجواهر والتحف إلى كتب ومدارس ومكاتب ومطابع.