لما حان سفر الفارياق أخذ يودع زوجته بعد أن أوعى القاموس والأشموني في صندوقه ويقول. اذكري يا زوجتي أنَّا عشنا معاً برهة طويلة من الدهر. قالت ما أذكر إلا هذا. قال فقلت أذكر ناكرٍ أم شاكر. قالت نصف من هذا أو نصف من ذاك قلت يرجعنا النحت إلى الأول قالت أو يرجع الأول إلى النحت. قلت أي أول أضمرت؟ قالت ما لك ولتأويل المضمر. قلت حسبي أن تبيِّني الحقيقة ذلك. قالت إذا فكرت في أنك لي ولغيري كنت من الناكرين وإلا فمن الشاكرين. قلت أنك كنت نهيتني عن المعاملة بالقسم وهاأنت الآن تأتينه. قالت بل هو يأتيني. قلت أما فيك لفظة لا. قالت أن لفظتها كانت نعم. قلت إن لا من المرأة إلى. قالت وأن نعم نعم. قلت أجعلت هذا دأبك. قالت ودأبت في هذا الجعل. قلت هذا لا يليق بذات ولد. قالت ولا تلد من لا تليق. قلت من مادة. قالت أن كانت المادة غير زيادة متصلة أحوجت إلى اختلاف الصور. قلت وكيف تبقى متصلة على اختلاف الأشكال. قالت لا أشكال في كيفية الأشكال فإن واحداً منها يغني عن الجميع. وغنما الكلام على رسم الكمية. قلت ما الحدّ. قالت في الجد الهزل وفي الهزل الجد. قلت أرأيتك لو أقمت نائباً عني في ذاك مدة غيابي. فضحكت وقالت على ما أحب أنا أم على ما تحب أنت. قلت بل على ما تحبين أنت. قالت لا يرضى الرجل بذلك إلا إذا كان غير ذي غيرة ولا يكون غير ذي غيرة إلا إذا كره امرأته وكلف بغيرها فأنت إذا كلف بغيري. قلت ما أنا بالكلف ولا بالطرف. لكن الرجل إذا كان شديد الحب لامرأته ودّ لو أنه يرضيها في كل شيء. على أن الغيرة لا تكون دائماً المحبة كما نصَّوا عليه. فإن بعض النساء يغرن على أزواجهن عن كراهية لهم وأعنات. مثال ذلك إذا منعت المرأة زوجها عن الخروج إلى بستان أو ملهى أو حمَّام مع عدة رجال متزوجين. وهي تعلم أنهم في هذه المواضع لا يمكنهم الاجتماع بالنساء فهي إنما تفعل ذلك تحكماً عليه ومنعاً لهمن ذكر النساء مع أصحابه والتلذذ بما لا يضيرها. وكذا إذا حضرته عن النظر من شباكه إلى شارع أو روضة حيث يكثر تردد النساء وكذا الحكم على الرجل لو فعل ذلك بامرأته. فهذا عند الناس يعد غيره لكنه في الواقع بغضة. أو ربما كان آخر الغيرة أول البغض كما أن إفراط الضحك هو أول البكاء وكيف كان فإن الرجل لا يمكن أن يحب زوجته إلا إذا أباح لها التلذذ بما شاءت وبمن أحبَّت قالت أيفعل ذلك أحد في الدنيا. قلت نعم يفعله كثير في بلاد غير بعيدة عنا. قالت بأبي هم ولكن ما شأن النساء أيفعلن ذلك أيضاً لأواجههن. قلت لا بد حتى يعتدل الميزان. قالت أما أنا فلا أرضى بهذا الاعتدال فالميل عندي أحسن. قلت وكذا عندي في بعض الأحوال. قالت ولأحوال البعض. قلت فلنعد إلى السفر إنني أسافر اليوم. قالت نعم إلى بلاد فيها البيض الحسان. قلت أتعنيهم أم تعنيهن. قالت أعني نوعاً ويعنيني آخر. قلت ولمَ يعنيك وأنتن المطلوبات في كل حال ولذلك يقال للمرأة غانية. قال في القاموس الغانية المرأة التي تطلب ولا تطلب. قالت ما أحسن كلامه هنا لولا أنه قال قبل ذلك العواني النساء لأنهن يظلمن فلا يُنتصرن. غير أن هذه النقطة شفعت في تلك. قلت حبكن التنقيط دأب قديم. قالت مثل دأب الرجال في التحريف وكيف كان فإن مطلوبيتنا هي أصل العناء. فإن المطلوبة لا تكون إلا ذات العرض والإحصان فويل لها أن خانت محصنها. وويل لها أن حرمت طالبها وباتت تلك الليلة مشغولة البال بحرمانه وخيبته وبكونها صارت سببا في أرقه وجزعه وحسرته. والطالبة تعود غير مطلوبة. قلت ليست أخلاق الرجال في ذلك سواء. قالت إنما أعني الرجال الذين يطلبون ويكلفون بمن يطلبونه لا أولئك الطَرفِين الشنقين المسافحين الذين دأبهم التذوّق والتنقل من مطلوب إلى آخر ونفع أنفسهم فقط دون مراعاة نفع سواهم. ولكن هيهات هل في الرجال من يقيم على الوداد ولا يميل عنه كل يوم. لعمري لو لكانت النساء تطلب الرجال طلب الرجال للنساء لما رأيت فيهم غير مفتون. قلت هل في النساء من تقيم على الوداد ولا تجنح عنه كل يوم ألف مرة هذه الكتب كلها تشهد للرجال بالوفاء وعلى النساء بالخيدعية. قالت من كتب هذه الكتب أليس الرجال هم الذين لفّقوها. قلت ولكن من بعد التحري والتجربة، قالت من يأت الحكم وحدة يفلج قلت بل أوردوا على ذلك شواهد وكفى بما ورد عن سيدنا سليمان برهاناً ودليلاً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015