أم كيف تقتصر على معرفة ربع لغة ولا تتشوق إلى علم ما يفكر فيه غيرك. فلعل تحت قبعته أفكاراً ومعاني لم تخطر بما تحت طربوشك. بحيث إنك إذا استوعبتها تودّ لو أنك عاصرت صاحبها وتشرفت بمعرفته وصنعت له مأدبة فاخرة زينتها بصحاف الرز والبرغل. وكيف تبلغ من عمرك ثلاثين سنة ولم تؤلف شيئاً يفيد أهل بلادك. فما أرى بين يديك إلا دفاتر بيع وشراء وفناديق دخل وخرج. ورسائل فاسدة المعاني ركيكة الألفاظ تنظر فيها في كل صباح ومساء. فأما قصدت السفر لمجرد التفاخر فقط بأن تقول مثلاً في مجلس زارك فيه أصحاب الكرماء وأقرانك العظماء. قد رأيت مدينة كذا وشاهدت شوارعها النظيفة الواسعة وديارها الرحيبة ومراكبها الحسنة وأسواقها البهيجة وخيلها المطهمة ونساءها الرائعة وعساكرها الجرارة. وأكلت فيها في اليوم الأول كذا وشربت في اليوم الثاني كذا. ثم ذهبنا بعد ذلك إلى بعض الملاهي ثم إلى إحدى الملهيات. وبت معها على فراش وطئ.