ليت شعري أليس وجود مائة كتاب بدارك في الأقل خيراً من وجود كذا وكذا قصبة للتبغ وكذا وكذا أركيلة. مع أن ثمن المائة كتاب لا يوازي ثمن ثلاث قطع من الكهرباء. أليس وجود مطبعة في بلادك أولى من هذه الطيالس الكشميرية وتلك الفراء السمورية وهذه الآنية النفيسة والحلي الفاخر. فإن الإنسان إذا نظر إلى الحلي لا يستفيد منه شيئاً لا لبدنه ولا لرأسه. وغاية فرحه به إنما هو الشهر الذي اشتراه فيه فإذا مضت عليه أشهر استوى عنده وسقط المتاع فلم يبق منه ما يسره من وجوده سوى بيعه. فأما الكتاب فأنه كلما مرت عليه السنون زادت قيمته وكثرت منافعه. أو ليس إطلاعك على التاريخ والجغرافية وآداب الناس زينة لك بين إخوانك ومعارفك تفوق على زينة الجواهر أليس تعليم اهلك وذويك شيئاً من ذلك ومن قواعد لازمة لحفظ الصحة من كتب الطب يكسبك عند الله أجراً ويؤمنك من مضار كثيرة تتطرق إليهم لجهلهم بها. فإن قلت إنه ليس عند الإفرنج مختصة بالنساء والأولاد يؤلفها الرجال الفاضلون المهذّبون. فلمَ تشتري من الإفرنج الخزّ والمتاع ولاتشتري منهم العلم والحكمة والآداب. ثم إنك مهما بالغت في أن تبرقع زوجتك عن رؤية الدنيا فلن تستطيع أن تخفيها عن قلبها. فإن المرأة حيثما كانت وكيفما كانت هي بنت الدنيا وأمّها وأختها وضرّتها، لا تقل لي أن المرأة إذا كانت شريرة لا يصلحها الكتاب بل يزيدها شرّة، وإذا كانت صالحة فما من حاجة إليه، فإني أقول إن المرأة كانت أولاً بنتاً قبل أن صارت امرأة. وإن الرجل كان من قبل ولداً. ولا ينكر أحد أن التعليم على صغر كالنقر في الحجر. وإنك إذا ربَّيت وُلدك في العلم والمعارف والفضائل والمحامد يربون على ما ربّيْتهم عليه. وتكون قد أدّيت ما فرضه الله عليك من تأديبهم. فتفارقهم بعد العمر الطويل وخاطرك مجبور وبالك رخي مطمئن. فلم يبق لك إلا أن تقول أن أبي لم يعلمني وكذا جدي لم يعلم أبي وإني بهما أقتدي. فأقول لك أن الدنيا في عهد المرحومين جدك وأبيك لم تكن كما هي الآن. إذ لم يكن في عصرهما سفن النار ودروب الحديد التي تقرب البعيد، وتجدد العهيد. وتصل المقطوع. وتبذل الممنوع. ولم يكن يلزم الإنسان في ذلك الوقت أن يتعلم لغات كثيرة فكان كل من يقول خوش كلدي صفا كلدي يقال فيه إنه يصلح لأن يكون ترجماناً في باب همايون. وكل من كان يكتب خطاً دون خطي هذا الذي سودت به هذا الكتاب، لا الذي تقرأه الآن فإني بريء من هذه الحروف، كان يقال عنه إنه كاتب ماهر يصلح لأن يكون منشئ ديوان فأما الآن فهيهات.

هذا الفارياق حين نوى السفر من الجزيرة إلى بلاد الإنكليز كان بعض الناس يقول له أنك سائر إلى بلاد لا تطلع عليها الشمس. وبعضهم يقول إلى أرض لا ينبت فيها القمح ولا البقول. ولا يوجد فيها من المأكول إلا اللحم والقلقاس. وبعض يقول إني أخاف عليك أن تفقد فيها رئتك لعدم الهواء. وبعضهم يقول أمعاك لعدم الأكل. وبعضهم صدرك أو عضواً آخر غيره. فلما سار إليها وجد الشمس شمساً والهواء هواء. والماء ماء. والرجال رجالاً والنساء نساء. والديار مأهولة والمدن معمورة. والأرض محروثة أريضة كثيرة الصُوى والأعلام. خضلة الغياض والرُبُض والآجام. ناضرة المروج. زاهية الحقول. غضة البقول. فلو إنه سمع لأولئك الناس لفاته رؤية ذلك اجمع. فإن خشيت أن تفوتك هناك لذة الاركيلة ولذة تكبيس الرجلين قبل الرقاد. فاعلم إن ما ترى هناك من العجائب ينسيك هذا النعيم. ويلهيك عمّا ألفته في مقامك الكريم. كيف ترضى لنفسك أن تفارق هذه الدنيا ولم ترها وأنت قادر على ذلك. وقد قال أبو الطيب المتنبي

ولم أرَ في عيوب الناس شيئاً ... كنقص القادرين على التمام

طور بواسطة نورين ميديا © 2015