ولقائل هنا يقول أن الشاعر لم يصف الخصر إلا بكونه موجباً لجنونه. وأن الإشارة إلى كونه نحيلاً بناء على جنون الناس به إذا كان كذلك غير ناصّة وأخرى أن يكون هذا المفهوم الضمني جاريا على وصف كل عضو. إذ لو قال وما كمة جننت بها جنونا لعلم بالبديهية إنها تملأ الباب ويفضل منها شيء ويا ليت شعري هل الألف واللام للعهد الجنسي أو الذهني. وهل الإمام الزوزني تعرّض لشرح ذلك، ثم أنه من أهّم ما يشغل بال المرأة ويسهرها الليالي، هو تفتن ناظرها بتفخيم ذلك الموضع الرفيع العالي. وربما لهيت عن وجهها وسائر جسدها وغادرته بلا زينة من فرط اشتغالها به ولو تضّمر وجهها وذوت غضاضة بدنها لمرضٍ أو كبر فقلّ اعتمادها على محاسنها لم تبرح معتمدة عليه ومتعهدة له. فهو رأس مال الخلب والتشويق وما من امرأة إلا وتتمنى أن يكون لها عين في قفاها لتكون ناظرة إليه ومتعهدة له دائما. ولقد يهون عليها أن تقف ساعة أو تمشي ساعتين أو ترقص ثلاثاً ولا أن تقعد هنيهة خشية من أن يخشان أو يضمر. وإنها حين تنظر إلى عطفها وهي ماشية أو راقصة فما هو إلا رمز إلى ما ورائه. وأن تهدكرها وتبهكنها هما أنشب مصلاة يعلق بها قلب الرجل. وذلك لأنها تعلم أن الحكمة الخالقية رسمت من الأزل بأن تكون كثرة اللحم والشحم في ذلك الموضع. بالنسبة إلى سائر البدن لا بالنسبة إلى دكاكين اللحامين، شائقة للملوك والسلاطين والأمراء والقضاة والأئمة والقسيسين. والأحبار والموابذة والهرابذة والعلماء والبلغاء والخطباء والأدباء والشعراء والعطارين والصيادلة والعازفين بآلات الطرب ولسائر الناس. لا لأنهم يتخذون من لحمه كبابا أو من شحمه إِهالة. أو يستصبحون عليه أو يتخذون من جلده كُوْبه. ولكن ملأ لعيونهم وشرحاً لصدورهم. فإن عين ابن آدم مع كونها ضيقة لا يملأها ما هو أوسع منها وأكبر بألف مرة. وإشعارا لهم بأن حكمتهم في هذه الدنيا وتنطّسهم وعزهم ومجدهم وأن علت على الأطواد الشامخة والجبال الشاهقة فما هي إلا سافلة عن حضيض هذا الموضع ألاَ وإنها تعلم إنك إذا جلست مثلا حد هؤلاء الأعزة الكرام أمام بعض المناصع على سرير مذهب. وضربت عليه قبّة ممّوهة مزخرفة منمنمة منقشة مزوقة مكسوة بالحرير والديباج ومكللة بالزهور والرياحين. استنكف أن يقعد هناك نصف ساعة. على أنه لا يستنكف أن يقعد عامة نهاره وليله لذلك المقام المنيف. وهو حاسر الراس، مشعث، الشعر، حافي الرجل، فاغر الفم مندلع اللسان، سائل اللعاب: محملق العينين، مشمر الذيل، شابح الذراعين معوجّ العنق مؤلّل الأذنين، في أقبح هيئة يمكن للإنسان أن يتصورها في حق ذي مقام. حتى لو سمع نأمة من هناك لظن أن السلطان قد بعث إليه بالات الملاهي يهنئه على هذا الفوز العظيم، والمغنم العميم، وتصوّر في باله ان صوت العود لم يكن بأشجى من غيره إلا لكون هذه الآلة قد صنعت على مثال شطر ذلك الموضع ولو كان كالشطرين لسُمع له منطق بإعراب. وأن شكل القبة مأخوذ منه. ورائحة الندّ تروى عنه، وإن العرب من زيادة شغفهم به الحقوا حروفه بالأفعال السداسية الدالة على طلب الفعل أو التي يعتبر فيها الشيء كونه على حال مّا من الأحوال، وإن فردسة صدور الرجال وعرض ظهورهم لا تجدي نفعاً مع عرضه. وأن المعالي في السَّراة متى تلح لهم ذات تأكيم يعدن مسافلا، وإن هذه الحقيبة مع ثقلها سواء كانت حاملة كما ذهب إليه بعض الشعراء، أو كانت محمولة كما هو في الواقع فليس ثقلها إلا كثقل كيس ذهب على حامله. وإنها أسخن الأعضاء جميعاً في الشتاء إذ لا تحتاج إلى تدفئة وإبردها في الصيف. وإنها مع كونها اول ماس للأرض عند القعود فلا تزال انعم من الخدين. وأملس من اللديدين، فلهذا كانت لذة تقبيلها للمقبّل العذريّ اعظم من لذة تقبيل الذقن والأنف والعين والجبين. وأن الناس لها أسماء الملوك والسلاطين، وذوي السيادة والمعالي وأئمة الدين. وعند قوم "أقول واستغفر الله" تذال لها الأسماء الحسنى، على أن تسبيحهم كل يوم أن يقولوا ربنا تقدّس اسمك. ألا وإنها تعلم أن كثيراً من البهائم أعقل من الناس أو أسعد حالا من أصل الفطرة. فإن الذكر من الحيوان غير الناطق لا يهيج على هبرتين من اللحم في أنثاه مع احتوائهما على القبل والدبر إلا في وقت معلوم.