فلما حان الرقاد اضطجعت في الفراش وأدارت وجهها إلى وجه الحائط: وهذا هو المقصود من هذا الفصل تنبيها للناس على أن هذه العادة هي من جملة العادات التي أخطأا استعمالها إذ ليس في الأدبار شيء يدل على الغيظ.

بل الإقبال هو المظنة له فإن المرأة إذا واجهت زوجها عند الاضطجاع وقطبت وجهها في وجهه وزوت ما بين حاجبيها، أو شمخت أو سدّت منخريها أو غمضت عينيها كيلا تشم رائحة وتبصر سحنته أو غطتهما بيدها أو بكمها أو منديل كان ذلك إشارة إلى غيط. فأما في تولية الدبر فلا علامة تدل عليه. فإن قلت أنها إذا واجهته ربما غثت نفسها من نفسه. إذ الرائحة الكريهة لا بد وأن تفعم المناخر وأن سُدّت فلا محيص عنه بالأدبار قلت الأولى أن تستلقي فيندفع المحذور. وبعد فأن الدبر هي من الأشياء التي طالما عُني الناس بتفخيمها وتكبيرها وتعظيمها حسّا ومعنى. أما حسّا فلأنهم اتخذوا لها الزناجب والمنافج والمرافد والرفائع والأعاجيز والغلائل والمرافق والعُظامات والحشايا والأضاخيم والمصادغ إجتذاباً لقلوب الناظرين وفتنة لعقول العاشقين. فكيف يكون شيء واحد مستعملاً وسيلة للرضى والغضب معاً فهو خُلْف بين، وأما معنى فلأن العلماء والأدباء وسادتنا الشعراء ما زالوا يتغزلون بها ويتنافسون في عرضها وسعتها، حتى أن بعضهم قال

من رأى مثل جبّتي ... تشبه البدر إذا بدا

بدخلي اليوم خصرها ... ثم أردافها غدا

وقال عمر بن كلثوم

وما كمة يضيق الباب عنها ... وخصر قد جُننت به جنونا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015