فأما ما يقال من أن الدروز هم من ذوي الكسل والتواني وإنهم لا ذمة لهم ولا ذمام فالحق خلاف ذلك. أما وسمهم بالكسل فأحرى أن يكون ذلك مدحاً لهم. فإنه ناشئ عن القناعة والزهد. غير أن الصفات الحميدة التي يتنافس فيها الناس متى جاوزت الحد قليلاً التبست بنقيضها. فالإفراط في الحلم مثلاً يلتبس بالضعف. وفي الكرم يلتبس بالتبذير. وفي الشجاعة بالتهور والمغامرة. لا بل الإفراط في العبادة والتديّن يلتبس بالهوس والخبال. هذا ولما كانت الدروز في القناعة إذ لا ترى من بينهم أحداً يقتحم القفار ويخوض البحار في طلب الأزاء وفي التأنق في الملبوس والمطعوم ولا من يُسَفّ للأمور الخسيسة ويدنق فيها. أو من يبشر الصنائع الشاقة ظن فيهم الكسل والتواني. ومعلوم أنه كلما كثر شره الإنسان ونهمُه، كثر نصبه وكده وهمّه. فالتجار من الإفرنج على ثروتهم وغناهم أشقى من فلاحي بلادنا. فنرى التاجر منهم يقوم على قدميه من الصباح إلى الساعة العاشرة ليلاً. وأما أن الدروز لا عهد لهم ولا ذمة فإنما هو محض افتراء وبهتان. إذ لم يعرف عنهم إنهم عاهدوا بشيء ثم نكثوا به دون أن يحسّوا من المعاهد إليه غدراً. أو أن أميراً منهم أو شيخاً رأى امرأة جاره النصراني تغتسل يوماً فأعجبته بضاضتها وبتيلتها وبوصها. فبعث إليها من تملق لها أو غصبها. وأنت خبير بأن كثيراً من النصارى عائشون في ظلهم. ومستأمنون في حماهم. وأنهم لو خُيّروا أن يتركوا مستأمنهم هذا ليكونوا تحت أمن مشايخ النصارى لأبوا. وعندي أن من كان يرعى حرمة الجار في حرمته كان خليقا بكل خير. ولم يكن ليخونه في غيرها. فأما ما جرى من التحزب والتألب بين طوائف الدروز وغيرهم فإنما هي أمور سياسية لا تعلق لها بالدين. فبعض الناس يريدون هذا الأمير حاكما عليهم وبعضهم يريد غيره.
وكان أبو الفارياق ممن يحاول خلع الأمير الذي وقتئذ والياً سياسة الجبل. فانحاز إلى أعدائه وهم من ذوي قرابته فجرت بينهم مهاوش ومناوش غير مرة. وآل الأمر بعدها إلى فشل أعداء الأمير. ففروا إلى دمشق يلتمسون النجدة من وزيرها فوعدهم ومناهم. وفي تلك الليلة التي فروا فيها هجمت جنود الأمير على وطن الفارياق ففر مع أمه إلى دار حصينة بالقرب منها لبعض الأمراء.. فنهب الناهبون ما وجدوا في بيته من فضة وآنية ومن جملة ذلك طنبور كان يعزف به أوقات الفراغ. فلما إن سكنت تلك الزعازع رجع الفارياق مع أمه إلى البيت فوجداه قاعا صفصفا.
ثم رد الطنبور عليه بعد أيام. فإن من نهبه لم يجد في حمله منفعة ولم يقدر أن يبيعه إذ العازفون بآلات الطرب في تلك البلاد قليلون جداً. فأعطاه لقسيس تلك القرية كفارة عما نهب. فرده القسيس على الفارياق.