وإن امرأة واحدة إذا كانت في مجلس قد اجتمع فيه عشرون رجلاً أمكن لها أن تهنَّدم كلهم أجمعين. فتتصبى هذا بلفظة. وذلك بلحظة. وذا بغمزة. وذاك بهجلة. وآخر بخزرة وغير بتحشيفة وآخر باسجادة. وغير بزفرة. وآخر بالتفاتة. وغيره بليّة جيد. وآخر بشمّة. وغيره بنزنزة. وآخر بعضّة على لسانها. وغيره باخراجه ونضنضته. وآخر بضم شفتيها وانفاصمهما. وغيره بعَرض عارضها. وآخر بتفيء شعرها. وغيره بابتسامة. وآخر بضحكة. وغيره يقهقهة. فيقوم الجميع عنها راضين. وابرع ما تكون المرأة ما إذا جلست بين زمرة من الفتيان يغازلونها ويداعبونها ويتملقونها. قال ومن خصائصها أيضاً إنها تعرف ما في قلوب الرجال. فلذلك تفْتنهم بوكوكتها وحركتها وتعمدهم وتصبيهم. وتتبلهم وتشجيهم. وتحسَّرهم وتبلبلهم. وتطربهم وتشغلهم. وتعبدهم وتهندهم وتتيّمهم وتهيّمهم. وتشوقهم وتروعهم. وتعوقهم وتلوعهم. وتؤرّقهم. وتيبيهم. وتشرقهم وتشبيهم وتخلبهم وتسحرهم. وتحربهم وتبهرهم. وتبيعهم وتشتريهم. وتجيعهم وتصديهم وتقلبهم وتفأدهم. وتراهم وتصدرهم. وتكبدهم وتطلحلهم. وتمعدهم وتفخذهم. وتبطنهم وتستههم. فأما ما قبل في خصائص فرنستها من أنها تحسن أعمال البيت كالخياطة والتطريز وغيره فمذكور في كثير من الكتب فعليك بمراجعتها. انتهى الكلام. الآن على المرأة بغير مراء على أن عندي منه ما عند الفراء من حتى.
قال بعض معاتيه العلماء المرأة كلها شرّ. وشر ما فيها أنه لا بد منها. قلت وهو كحلم جحي نصفه صدق ونصفه كذب. فالصادق منه قوله إنه لا بد منها.
أهلاً بك يا فارياق أين أنت وفيم كنت هذه المدة الطويلة -في نظم الأبيات السرية- ولكن هذا معلوم عندي ولم أسألك إلاّ عن أمر حديث- قد فجعت بالأمس بحمار لي وسألت عنه الجيران فلم يقل أحد منهم أنه سرقه. فاكتريت منادياً بدرهم فجعل ينادي في الأسواق ألا قد فرّ اليوم حمار الفارياق وخلى قيده في الوتد فهل منكم من رآه. فلم يجبه أحد إلاّ بقوله ما أكثر الحمير الآبقة اليوم من بيوت مواليها. فلما عاد إليّ بهذه البشرى بلغ مني الغيظ كل مبلغ. وآليت أن لا انظر بعدها في وجه حمار سواء كان حقيقيا أو مجازياً. فقد قال بعض أئمة اللغة أن من خصائص لغتنا هذه الشريفة دون غيرها أن يقال للرجل الجاهل حمار. ثم أخذت ارثيه بهذه الأبيات وهي:
راح حمار وخلى القيود في الوتد ... وما رأى أثره في الناس من أحد
فهل أنا راكب من بعده وتداً ... أم مجزئي قيده لو كان من مسد
أم كيف أدخل داراً كان لي سكناً ... فيها وأنزل عندي مُنْزل الولد
سرهدته بيدي كالطفل من شفق ... كالطفل من شفق سرهدته بيدي
وجثته بشعير لا يخالطه ... ماس ولا عسجد خوفاً من الدرد
وكان يوقظني منه النهاق إذا ... استثقلت نوماً بصوت مطرب غَرد
كم حاد بي عن مضيق حين أبصر من ... حول الجمال تبلّ الأرض بالزبد
وسار بي في طريق بلّ جانبها ... أهل الجمال بماء الورد وهوندي
وكم جرى فأرها إذ لاح عن بعد ... زفاف خود إليها بالغ الأمد
وإذ تبين نعشا للجنازة لم ... يمرر به مع اليم النخس في الكتد
ما ضل يوما عن استقراء معلفه ... أكان في روضة غنّاء أم جَرَد
وما شكا قط من وخز ولا ضعف رج ... لاه عن جوب وعَث طال أو جدد
شلت يدا من به ولىّ وغادرني ... امشي وانشب في أوحال ذا البلد
أعالم أنني من بعده جزع ... وإن فرقته نار على كبدي
وأن صوت المنادي اليوم يزعق أن ... البس إكافك في جنح الدجى وعُد
لا يغررنك رغد أنت واجده ... عند الحرامي خصمي فيك من حسد
قائما ذا لحين أنت تعلمه ... ما دام شهرا على طرف ولا عَتَد
يفديك كل حمار ندّ من بطر ... أوضحّ من لغب أو خار من جهد
أو حار من شبق قلاّب جحفلة ... كرّاف بول قديم جفّ كالقدد
مصنبع الرأس ممشوق القوائم لم ... يحرن إذا سُمته خَسْفا ولم يجد
ألية إنه بالطرق أعْرف من ... مولاه أن لم يَعُقه القيد ذو العقد
يا ليت لي خصلة من ذيله أثراً ... أرنو إليها كما يرني إلى الخرد