وقد زل بي القلم أيضاً زلة ثانية فإن السراويل يجب تقديمها على جميع ما سواها ليطابق الذكر الفكر. ثم أنك إذا أخذتها إلى ساحات المدينة وأسواقها حيث تزدحم الناس فأول ما تلمح فرهداً غسّانياً غيسانيا تقول هذا يصلح لأن يكون زير نساء ولأن يركب الجياد ويتقلد السيف ويعتقل الرمح ويطعن به. أو غلاماً مترعرعاً قالت هذا يصلح لأن يربى في المدرسة الزيرية حتى ينبغ. أو كهلاً قالت وهذا جدير بأن يقعد في بيته ويتعاطى الغزل والنسيب ليجهّز ما يلزم لتلاميذ المدرسة منه. أو شيخاً همّاً هرماً قالت وهذا قمين بأن يكون مشيراً في الأمور التي تعسر على الأغرار من الخرّيجين فيكفيهم النصب في إيشائها. فإن لم يلف عنده الرأي السديد فليدرج في كفن ويرمس هذا وفكرك لم يزل مشغولا بالحمار أو بالا كاف. فأما وجه كون مشاعرتها أنفع فلأنه قد جرت عادة من شاخ من ذوي الأمر والنهي إنه إذا جفّ دمهم وضوى لحمهم حتى لم يعد التدثر بالثياب يدفئهم شاعروا واحدة من هؤلاء النواعم فاستغنوا بحرها عن حرارة الدثار والنار والأبازير والأحسن في ذلك أن تكون جارية عذراء. وقد اختلفوا في علة الحرارة ومأتاها. فبعضهم على أن نفسها من فيها هو الذي يدفئ المقرر. وأعترض بأن هذا النفس لا بدّ وأن يختلط بالشنب فيبرد. وغيرهم على أن منفذ الحرارة إنما هو من المسام التي ينبت فيها الشعر. فإن المرأة لما كانت مفتوحة المسام كان صعود الحرارة منها ابلغ. بخلاف الرجل فإن مسامه مسدودة بما له من الشعر. ورد بأن الأمرد مثل المرأة في كونه مفتوحها ولم يقل أحد بأن مشاعرته تدفئ. وذهب بعض إلى أن الحرارة إنما هي النفس من انفها. وقال قوم من المتهافتين على الجناس إنها من موضع آخر. قال في القاموس تكوّى الرجل بامرأته تدفّأ واصطلى بحر جسدها. قلت ومع حرص المؤلف على جميع الألفاظ الغريبة النادرة لم يذكر فعلاً يدل على اصطلاء المرأة بحرارة جسد الرجل. ولهذا أي لأجل أن جسم المرأة من الحرارة ما لا يوجد في جسم الرجل كان أخف ما يكون من الدثار يدفئها ولو في الصّر. والرجل إذ ذاك يُكهى ويقفقف ويقرعبّ ويتقرقف. ومثله غرابة أن أكلها يكون أقل من أكل الرجل ولحمها أكثر من لحمه. قال المتكلمون ووافقهم على ذلك الأطباء النطاسيّون. أن مما فضل الله سبحانه المرأة به أن جعل فيها قوة حج الخصم وهداية الضال إلى الدين القويم. وأوردوا على ذلك شاهداً ما جرى لذلك المعتزلي مع امرأته. وذلك أن بعض المشاهير من علماء المعتزلة الذين يزعمون أن أفعال العبد ليست مخلوقة لله كان يجادل أهل السنة ويورد لهم من الأدلة والبراهين على تأييد مذهبه ما يربكهم به. فانبرت له امرأة لبيبة سُنّية وقالت لقومها زوجوني به فأخصمه في ليلة واحدة أن شاء الله فبات معها تلك الليلة على الحادة. حتى إذا قضى لها ثم تنقل بعده وتطوع وظن أنه استحق الثواب وخلق بالاغتماض. قالت له وأين الرابع والخامس والعاشر ياشِرواض. فتجلد لآخر ثم قال قد نفذ ما في الوطاب. فلا ملام ولاعتاب. قالت أمثلك من يبدي هذا الاعتذار. وأنت تقول أن الأفعال غير مخلوقة للواحد القهار. قال قد نبهت من كان غافلاً. وهديت من كان ضالاً. أني عديت عن مذهبي القديم. وقد هداني الله إلى الصراط المستقيم. قلت ويعلم من كتب التاريخ أن المرأة لها أعظم مدخل في دخول النصرانية في بلاد الإفرنج. قال بعض الظرفاء من الأدباء أن المرأة إذا رامت أن تشتري حاجة أو تستقصي أحداً شيئاً لم يلزمها أن تنقد البائع أو القاضي مالاً. وإنما تنقده العين من العين. قال ولذلك جاء هذا الحرف بالمعنيين. بخلاف الرجل فإنه إذا أراد قضاء شيء أيا كان ولاسيما النشنشة فلا بد وأن يحل عقدته بنفاثات الدرهم أو الدينار. وإنها أيضاً إذا توحمت على شيء تحبه وهي حبلى ظهر ذلك الشيء المتوحم عليه في الولد. فينبغي للأب أن يتفقد ولده ليعلم أي شكل من الأشكال بدا في أجسامهم. وما أنكره منها فليمتلكه قال وان القدرة الخالقية قد أوجدت لها من النبات وغيره أشكالاً كثيرة تقر بها عينها وينشرح صدرها إذا نظرتها أو لمستها وليس للرجل شيء من هذه الخصائص.