قد ماتت فسكت ساعة ثم قال. قد حزنت عليها كما حزنت على موت أمي. الله يبعثها إلى الجنة هي وزوجها حالاً. وقال يوماً لوالده أن معلمنا اليوم قد أشترى قضيباً ليضرب به الأولاد ولكنهم يغضبونه عمداً حتى يضربهم به فينكسر فأستريح أنا أيضاً. وقال لأمه وقد مرضت إذا جئناك بالطبيب ولم يشأ الله أن يشفيك فما الحاجة إلى دواء. لها مرة أخرى استعملي هذا الدواء فلعلك تمرضين. وأراد يوماً أن يوقد النار فقال أردت أن أطفئها فما انطفأت. وقالت له أمه سر إلى فلانة وقل لها لأي شيء تخافين من أمي إنما هي بشر من بني آدم مثلك. فقال أقول لها تقول لك أمي لأي شيء تنفرين منها إنما هي من بني الحيوانات مثلك. وقال مرة في شيء أعجبه تبارك الله من كل عين. وقيل له يوماً أن فلاناً يريد أن يأخذك إلى مدرسته ليلمك. فقال بعثه الله إلى الجنة قال له أبوه أتريد أن تميته. قال فكيف أقول إذاً. قال أطال الله عمره. قال طوله الله. وقال لأمه أتعطينني الليلة من تلك الحلواء. فقالله أن عشنا إلى الليلة. قال نحن نعيش إلى غد فكيف لا نعيش إلى الليل- انتهى.

فطالع بذلك أحد الألباء في بلاده وقال له قد ظهر لي أن هذا الكلام أبله مأموه. أو مدله توه. أو مسمه مسبوه. أو عمه مشدوه. أو نمه معتوه. فكيف صار بعد ذلك شاعراً. فقال له يحتمل أن كلامه هذا كان قد تعمده ليضحك به أبويه. أو أنه كان بليد البادرة ولكنه حديد الفاكرة. فإن من الناس من يدهش للسؤال فلا يكاد يجيب إلا خطأ. فإذا أعمل فكرة في خلوة أحسن كل الإحسان. أو أنه قصد بذلك أن يكون نبها مشهوراً بين الناس ولو بحماقة ورقاعة. فإن أكثر الناس يحاول الشهرة بأي وجه كان. فمنهم من يتعاطى الترجمة للكتب والتعليم وهو لا يدري شيا. ولكنه يفرح بأن يضع اسمه في أول الكتاب وبأن يحشيه بعبارات ركيكة وأقوال سخيفة من عنده أو بأن يروي عنه فيقال فلان كذا وكذا ويكون قوله خطأ وهذراً. ومنهم من يتربع في صدر المجلس بين إخوانه وإقرانه ويطفق يحكي لهم حكايات عن بلاد بعيدة ويخلط كلامه ببعض ألفاظ تعلمها من لغة العجم. فيقول لهم مثلا صان فاصون. وباردون موسيو. ودنكوي. وفاري ول. إشارة إلى إنه أطال السياحة في بلاد فرنسا وإيطاليا وإنكلترا وتعلم لغاتهم وهو يجهل لغته التي نشأ عليها. ومنهم من يتخذ له عمامة كبيرة يضاهي بها بعض العلماء. فإن كبر العمامة يدل على كبر الرأس. وكبر الرأس يدل على جودة العقل وصواب الرأي. ومنهم من يتكلف محاكاة لهجة ما ممن عرفوا بالفصاحة فتراه يتشدف ويجعم ويستعمل ألفاظا ًفي غير محلها.

وبعد فلا ينبغي أن يكون الشاعر عاقلاً أو فيلسوفاً. فأن كثيراً من المجانين كانوا شعراء. أو كثيراً من الشعراء كانوا مجانين. وذلك كأبي العبر وبهلول وعليان وطويس ومزبد. وقد قالت الفلاسفة إن أول الهوس الشعر وأحسن الشعر ما كان عن هوس وغرام. فأن الشعر العلماء المتوقرين لا يكون إلا مكرزماً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015