كان للفارياق ارتياح غريزي من صغره لقراءة الكلام الفصيح وإمعان النظر فيه ولالتقاط الألفاظ الغريبة التي كان يجدها في الكتب: فإن أباه قد أحرز كتباً عديدة في فنون مختلفة، وكان أي الفارياق يتهافت منذ حداثته على النظم من قبل أن يتعلم شيئاً مما يلزم لهذه الصنعة. فكان مرة يصيب ومرة يخطئ، مع اعتقاده إن الشعراء أفضل الناس وأن الشعر أجل ما يتعاطاه الإنسان. فقرأ يوماً في بعض الأخبار عن شاعر كان في حداثته أبله مغفلاً، ثم صار أمره إلى أن نبغ فينظم القصائد المطولة وأجاد، فما حكي عنه أنه سكر يوماً فقعد في نحو ناموس وجعل يخطب منه خطبة أبي العِبَر طرد طبك طلندي بك يك نك من البلوعة. وأنه أراد يوماً أن يتسور حائطا ليتناول من بعض الثمر فوقع في فخ كان نصبه صاحب البستان للحيوانات.. وإنه قال يوماً لأمه إن عند فلان خادمة نظيفة غسلت اليوم باب دارها فجاء أسود يلمع. وإنه رأى يوما صبياً قد قلع أحد أضراسه فسار واقترض درهماً وقال للحجام اقلع ضرسي أنا أيضاً فإنه غير قاطع في الأكل. ولعل ينبت لي في مكانه ضرس أحد منه. وقيل له يوما قد دونت عنك حكايات من حمقك كثيرة فقال بودي لو أن أحداً يقرأها علي لأضحك ومرض أخوه يوماً فقال أبوه لزوجته قد أضره الطعام الذي أكله أمس. فقال نعم قد أضر الأكل والخادمة معاً. فقال أبوه ما دخل الخادمة هاهنا. فقال لعلها أعطته ما لم يحب. ورأت أمه على ثيابه دماً فقالت له ما هذا الدم. قال قد وقعت فجرى دمي وهو أحسن. فقد يقال من وقع وجرى منه دم صح وتقوى. وجرح يده بسكين فرمى بها وقال هذي السكين لا تساوي شيئاً. فقال أبوه لو كانت كذلك لما جرحت يدك فقال كل إنسان يجرح يده في الدنيا سواء بسكين أو غيرها. وقال مرة قد رأيت في السوق جبنا أبيض كالزفت. وقيل له لم لا تغسل يدك أغسلها فتعود وسخة في الحال. ولست أقدر على تنظيفها لكون دمي وسخاً. ورأى ذات يوم رجالاً مصلوبين فقال لأمه يا أم إذا عاشت هؤلاء الرجال أيضاً أفيقدر الذين صلبوهم على صلبهم مرة أخرى. وكان قوم يسألون عن منزل شخص فقال أنا أعرف مقرّه. قيل كيف عرفته. قال قد رأيت الرجل يمشي في السوق على رجليه. وقال يوماً من الثمانية إلى التسعة يمضي الوقت أسرع من الستة إلى السبعة. وقيل له أتحب اللحم أكثر من السمك قال أظن أني أحب هذا أكثر. وقال له أبوه إذا كنت تغيب عنا أفتحسن أن تكتب لنا كتاباً. قال نعم أكتبه وأجيء به أوصله إليكم. وسمع أباه يثني على حزٍ اشتراه وكان به فرحاً. فقال قد كانت ساعة سعيدة إنكم لم تشتروه. ورأى أباه يكتب كتاباً فقال له هل تستطيع يا أبت أن تقرأ ما تكتبه. فقال له كيف لا وأنا الذي كتبته. فال أما أنا فلا أستطيع. ورأى أباه يتأسف على طير فقده. فقال له بارك الله في الساعة التي طار فيها. فقال له يا أحمق إنا نتأسف على فقده قال له ولم لم تبنِ له داراً. قال أو يُبني للطائر دار. قال إنما أعني عودين يجعلان من هنا وهناك. ووصف مرة حيوانات رآها فقال ورأيت أيضاً خنزيراً أكبر مني وشكا وجعاً في رجله فقال ليت هذي الرجل تبلى. وكان أبوه يفسر له معنى أنقذ بأن قال له إذا وقع أحد في النار مثلاً وذهبت وأخرجته منها فلذلك هو الإنقاذ. فال ولكنه قد احترق فكيف أنقذه. وعلى فرض إني وضعت هذا السفود في النار ثم أحرجته منها أفيكون ذلك أيضاً إنقاذاً. وفسر له يوماً آخر معنى يلوم فقال إذا أبطأ عليك شخص في شيء وقلت له لِمَ تكاسلت فذلك يكون لوماً. فقال وأقول له أيضاً لمَ كبرت لِم صغرت لِم قصرت. ولامته أمه على نحره عند الكلام فقال لها ألا لا تلوميني ولكن لومي روحي. وأراد أبوه أن يخرج في يوم ماطر ثم عدل خوفاً من المطر. فقال لأمه يا أماه من عمّ الله أنا لم نخرج اليوم فإن الهواء كان طيباً. واشترت له أمه ثوباً فصلته قال لها أو يزول لون هذا الثوب. قالت لا أدري. قال أرجو أن يزول فلعله يصير أحسن. وقالت له أوان الشتاء وهو لابس قميصاً فقط البس ثوبك فوق القميص. فقال لها لا لأني أبرد به أكثر. ولامه أبوه على قراءته بصوت صلق فقال له لم هذا الصلق في القراءة قال لا أقدر أن أصرخ أكثر. وخفي عليه يوماً معنى الزيارة فقالت له أمه إذا سرت اليوم إلى السيدة فلانة لأنظرها فقد زرتها. قال قد فهمت إنك تسيرين إليها كي تخدعيها. وقالت له أمه إن فلانة التي تحسن إليك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015