وما ورد في الآية، دلت عليه السنة الصحيحة، فقد روى البخاري في صحيحه في كتاب المرضى (باب فضل من يمرع من الريح) :
" ... قال حدثني عطاء بن أبي رباح قال لي ابن عباس: "ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ " قلت: "بلى". قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: "إني اصرع، وإني أتكشف، فادع الله لي". قال: "إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك". فقالت: "أصبر". فقالت: "إني أتكشف، فادع الله لي أن لا أتكشف". فدعا لها" 1 ثم ذكر البخاري بإسناده- أن عطاء رأى أم زفر، تلك المرأة السوداء على ستر الكعبة.
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرح الحديث:
1- انحباس الريح قد يكون سببا للصرع، وهي علة تمنع الأعضاء الرئيسية عن انفعالها منعا غير تام، وسببه ريح غليظة تنحبس في منافذ الدماغ، أو بخار رديء يرتفع إليه من بعض الأعضاء، وقد يتبعه تشنج في الأعضاء فلا يبقى الشخص معه منتصبا بل يسقط ويقذف بالزبد لغلظ الرطوبة.
2- وقد يكون الصرع من الجن، ولا يقع إلا من النفوس الخبيثة منهم، إما لاستحسان بعض الصور الإنسية، وإما لإيقاع الأذية به.
ثم قال ابن حجر: "والأول: هو الذي يثبته جميع الأطباء ويذكرون علاجه. والثاني: يجحده كثير منهم، وبعضهم يثبته ولا يعرف له علاجا، وممن نص منهم على ذلك إبقراط فقال: لما ذكر علاج المصروع: هذا إنما ينفع في الذي سببه أخلاط؟ وأما الذي يكون من الأرواح فلا".
وقد رجح ابن حجر: إن الصرع الذي كان بتلك المرأة السوداء هو من صرع الجن لا من صرع الخلط.