فأمر سبحانه بالقيام بالقسط، وهو العدل، وهذا أمر بالقيام به في حقِّ كل أحد عَدُوًّا كان أو وليًّا، وأحقُّ ما قام له العبد بالقسط (?): الأقوالُ والآراء والمذاهب؛ إذ هي متعلقة بأمر الله وخبره؛ فالقيام فيها بالهوى والعصبية (?) مضادٌّ لأمر الله, مُنافٍ لما بَعَثَ به رُسُلَه (?)، والقيامُ فيها بالقسط وظيفةُ خلفاءِ الرسول في أمته، وأمنائِه بين أتباعه، ولا يستحقُّ اسمَ الأمانةِ إلا من قام فيها بالعدل المحض، نصيحةً لله ولكتابه ولرسوله ولعباده.
أولئك هم الوارثون حقًا, لا من يجعل أصحابه ونِحْلَته ومذهبَه عِيَارًا (?) على الحق وميزانًا له؛ يُعادي من خالفه ويُوالِي من وافقَه لمجرد (?) موافقته ومخالفته. فأين هذا من القيام بالقسط الذي فرضَه اللهُ على كل أحد؟ وهو في هذا الباب أعظم فرضًا، وأكبرُ وجوبًا.
ثم قال: {شُهَدَاءَ لِلَّهِ} والشاهد هو المُخْبر، فإن أخبر بحق فهو شاهد عدل مقبول، وإن أخبر بباطل فهو شاهد زور؛ فأمر تعالى أن نكون شهداء (?) له مع القيام بالقسط، وهذا يتضمن أن تكون الشهادة بالقسط أيضًا (?)، وأن تكون لله لا لغيره.