وقد تعلمون كثرة عدد أنهار البصرة، وغلبة الماء، وتطفّح الأنهار.

وتبقى النّخلة عشرين ومائة سنة وكأنّها قدح. وليس يرى من قرب القرية التي يقال لها «النّيل» إلى أقصى أنهار الكوفة نخلة طالت شيئا إلا وهي معوجّة كالمنجل. ثم لم نر غارس نخل قطّ في أطراف الأرض يرغب في فسيل كوفي، لعلمه بخبث مغرسه، وسوء نشوّه، وفساد تربته، ولؤم طبعه.

وليس لليالي شهر رمضان في مسجدهم غضارة ولا بهاء، وليس منار مساجدهم على صور منار البصرة، ولكن على صور منار الملكانية واليعقوبيّة.

ورأينا بها مسجدا خرابا تأويه الكلاب والسّباع، وهو يضاف إلى عليّ بن أبي طالب، رضوان الله عليه.

ولو كان بالبصرة بيت دخله عليّ بن أبي طالب مارّا لتمسّحوا به وعمروه بأنفسهم وأموالهم.

وخبّرني من بات أنّه لم ير كواكبها زاهرة قطّ، وأنّه لم يرها إلّا ودونها هبوة، وكأنّ في مائهم مزاج دهن. وأسواقهم تشهد على أهلها بالفقر. وهم أشدّ بغضا لأهل البصرة من أهل البصرة لهم، وأهل البصرة هم أحسن جوارا، وأقلّ بذخا، وأقلّ فخرا.

ثم العجب من أهل بغداد وميلهم معهم. وعيبهم إيّانا في استعمال السّماد في أرضنا ولنخلنا، ونحن نراهم يسمّدون بقولهم بالعذرة اليابسة صرفا، فإذا طلع وصار له ورق ذرّوا عليه من تلك العذرة اليابسة حتّى يسكن في خلال ذلك الورق.

ويريد أحدهم أن يبني دارا فيجيء إلى مزبلة، فيضرب منها لبنا، فإن كانت داره مطمئنّة ذات قعر حشا من تلك المزبلة التي لو وجدها أصحاب السّماد عندنا لباعوها بالأموال النفيسة.

ثم يسجرون تنانيرهم بالكساحات التي فيها من كلّ شيء، وبالأبعار

طور بواسطة نورين ميديا © 2015