وذلك في الهيّنات، وتجاف له عن بعض غفلاته تسلم لك ناحيته. وبحسب ذلك فكن في زيارته، فإنّ الإلحاح في الزّيارة يذهب بالبهاء، وربّما أورث الملالة؛ وطول الهجران يعقب الجفوة، ويحلّ عقدة الإخاء، ويجعل صاحبه مدرجة للقطيعة وقد قال الشاعر:
إذا ما شئت أن تسلى حبيبا ... فأكثر دونه عدد اللّيالي
فما يسلي حبيبك مثل نأي ... ولا يبلي جديدك كابتذال
[وزر غبّا إذا أحببت خلّا ... فتحظى بالوداد مع اتصال]
واقتصد في مزاحك؛ فإنّ الإفراط فيه يذهب بالبهاء، ويجرّىء عليك أهل الدّناءة. وإنّ التقصير فيه يقبض عنك المؤانسين. فإن مزحت فلا تمزح بالذي يسوء معاشريك.
وأنا أوصيك بخلق قلّ من رأيته يتخلّق به، وذاك أنّ محمله شديد، ومرتقاه صعب، وبسبب ذلك يورث الشّرف وحميد الذّكر: ألّا يحدث لك انحطاط من حطّت الدّنيا من إخوانك استهانة به، ولا لحقّه إضاعة، ولما كنت تعلم من قدره استصغارا؛ بل إن زرته قليلا كان أشرف لك، وأعطف للقلوب عليك. ولا يحدث لك ارتفاع من رفعت الدنيا منهم تذلّلا وإيثارا له على نظرائه في الحفظ والإكرام؛ بل لو انقبضت عنه كان مادحك أكثر من ذامّك، وكان هو أولى بالتعطّف عليك، إلّا أن يكون مسلّطا تخاف شداه ومعرّته، وترجو عنده جرّ منفعة لصديق، أو دفع مضرّة عنه، أو كبتا لعدو وإنزال هوان به؛ فإنّ السّلطان وخيلاءه وزهوه يحتمل فيه ما لا يجوز في غيره، ويعذر فيه ما لا يعذر في سواه.
واعلم أنّ نشر محاسنك لا يليق بك، ولا يقبل منك إلّا إذا كان القول لها على ألسن أهل المروءات، وذوي الصّدق والوفاء، ومن ينجع قوله في القلوب