ثم ضرب لهم في ذلك مثلا، ثم قال: هم كالهرمة من الكلاب في مرابضها، يمرّ بها أصناف الناس فلا تحرّك، وإن مرّ بها كلب مثلها نهضت إليه بأجمعها حتّى تقتله.

وحدّثني عمر بن سيف، أنه حضر مجلس أبي عبّاد ثابت بن يحيى يوما في منزله، وعنده جماعة من الكتاب فذكر ما هم عليه من ملائم الأخلاق ومدانس الأفعال، قال: ووصف تقاطعهم عند الاحتياج، و [عدم] تعاطفهم عند الاختلال، وزهدهم في المواصلة فقال:

معاشر الكتاب، ما أعلم أهل صناعة أملأ لقلوب العامّة منكم، ولا النعم على قوم أظهر منها عليكم. ثم إنّكم في غاية التقاطع عند الاحتياج، وفي ذروة الزّهد في التعاطف عند الاختلال. وإنّه ليبلغني أنّ رجلا من القصابين يكون في سوقه، فيتلف ما في يديه، فيخلّي له القصّابون سوقهم يوما، ويجعلون له أرباحهم، فيكون بربحها منفردا، وبالبيع مفردا، فيسدّون بذلك خلّته، ويجبرون منه كسره. وإنّكم لتناكرون عند الاجتماع والتعارف، تناكر الضّباب والسّلاحف، ثم مع استحواذكم على صناعتكم، وقلّة ملابسة أهل الصناعات لها معكم، لم أرصناعة من الصناعات إلّا وقد يجمع أهلها غيرها إليها فيعانونها جميعا، وينزلون لضرب من التجارات معا، إلّا صناعتكم هذه؛ فإنّ المتعاطي لها منكم؛ والمتسمّي بها من نظرائكم، لا يليق به ملابسة سواها، ولا ينساغ له التّساغل بغيرها ثم كأنكم أولاد علّات، وضرائر أمّهات، في عداوة بعضكم بعضا، وحنق بعضكم على بعض. أفّ لكم ولأخلاقكم! إنّ للكتّاب طبائع لئيمة، ولولا ذلك لم يكن سائر أهل التجارات والمكاسب بنظرائهم بررة، ومن ورائهم لهم حفظة، وأنتم لأشكالكم مذلّون، ولأهل صنائعكم قالون. قبح الله الذي يقول قضينا في الأمور بالأغلب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015