وحيّرته بصيرته.
وكنّا في مجلس بشر بن المعتمر يوما وعنده المردار، وثمامة، والعلّاف، في جماعة من المعتزلة وأصحاب الكلام، فتذاكروا العوامّ واستحواذ الفتنة عليهم في التقليد، واستغلاق قلوبهم بكثير مما ليس في طبعهم، فتعظّمهم وتقضى لكلّ من نبل منهم بالصّواب في قوله وإن لم يعلموا. لا يدينون بالحقيقة، ولا يحمدون إلا ظاهر الحلية.
ومن الدليل على نذالة طبعهم، والعلم بفسالة رأيهم، تقديمهم بالفضل لمن لا يفهمونه، وقضاؤهم بالعلم لمن لا يعرفونه، حتّى إنهم يضربون بالكاتب فيما بينهم المثل، ويحكمون له بالبصيرة في الأدب، على غير معاشرة جرت بينهم، ولا محبّة ظهرت له منهم. ليس إلّا أنّ هممهم صغرت عنهم، وامتلأت قلوبهم منهم، فصار المحفوظ من أقوالهم، والذي يدينون به من مذاهبهم: كيف لا يأمن فلان الخطأ مع جلالته، وكيف ينساغ لأحد تجهيله مع نبله. فإن وقفوا على تمييزه هابوه، وإن دعوا إلى تفهّمه أكبروه، وقالوا: لم ينصب هذا بموضعه إلّا لخاصّة فيه وإن جهلناها، وفضيلة موسومة وإن قصر علمنا عنهم. ولعلّه عمر بن فرج في السّفه والمباهتة، وإبراهيم ابن العبّاس في الشّره والرّقاعة، ونجاح بن سلمة في (الطّيش) والسخافة، وأحمد بن الخصيب في اللّؤم والجهالة، وآل وهب في النّهم والنّذالة، ويحيى بن خاقان في الذّلّ والفاقة، وموسى بن عبد الملك في الوخم والبلادة، وابن المدبّر في الخبّ والمكابرة، والفضل بن مروان في الفدامة مقصورة.
وفي عمر بن فرج يقول الشاعر:
لا تطلب الخير من بني فرج ... لا بارك الله في بني فرج
والعن إذا ما لقيته عمرا ... لعبا يقينا بأعظم الهرج
فلعنة إن لعنتها عمرا ... تعدل مقبولة من الحجج
ليس على المفتري على عمر ... من ضرب حدّ يخشى ولا حرج