في أحصن موضع وأمنع مكان، ثم أقبل به إلى حصن أنا فيه فقال: اشتروه منّي. قلنا: لا حاجة لنا في ذلك. قال: فإنّي أبيعه بدرهم واحد. فرمينا إليه بدرهم فخلّى سبيله، ثمّ أدبر عنا ومضى مع أصحابه، فما لبث إلّا قليلا حتّى عاد إلينا فوقف حيث نسمع كلامه، فراعنا ذلك، فأخرج الدّرهم من فمه وكسره بنصفين. وقال: لا يسوى درهما، وهذا غبن فاحش، فخذوا هذا النّصف، وهو على كلّ حال غال جدّا بالنّصف الآخر.
قال: فإذا هو أظرف الخلق.
قال: وكنّا نعرف ذلك الرجل بالجبن، وقد كان سمع باحتيال التّرك في دخول المدن وعبور الأنهار في الحروب، فتوهّم أنه لم يتوعّد بفتح الباب.
وقال ثمامة: ما شبّهت الذّرّ إلّا بالتّرك؛ لأنّ كلّ ذرّة على حدتها معها من المعرفة بادّخار الطّعم، ومن الشّمّ والاسترواح، ونجب المدّخر حتّى لا ينبت في جحره، ثم الاحتيال للناس في الاحتيال لها بالصّمامة والعفاص والمزدجر، وتعليق الطّعام على الأوتاد والبرّادات، مثل الذّرّ مع صاحبتها.
وقال أبو موسى الأشعري: كل جنس يحتاج الى أمير ورئيس ومدبّر، حتّى الذّرّ.
وروى أبو عمر الضّرير، أن رئيس الذّرّ الرّائد الذي يخرج أوّلا لشيء قد شمّه دون أصحابه، لخصوصيّة خصّه الله تعالى بها، ولطافة الحسّ، فإذا حاول حمله وتعاطى نقله، وأعجزه ذلك بعد أن يبلي عذرا، أتاهنّ فأخبرهنّ فرجع، وخرجت بعده كأنّها خيط أسود ممدود. وليست ذرّة أبدا تستقبل ذرّة أخرى إلّا واقفتها وسارّتها بشيء ثم انصرفت عنها.
وكذلك الأتراك كلّ واحد منهم غير عاجز عن معرفة مصلحة أمره، إلّا أنّ التفاضل واجب في جميع أصناف الأشياء والنّبات والموات. وقد تختلف الجواهر وكلّها كريم، وتتفاضل العتاق وكلّها جواد.