الصّهر، ويدفع بأسه عنه. وقد عرفنا الحروب التي كانت بين فارس والرّوم، وكيف تساجلوا الظفر، وبأيّ سبب غرس الزّيتون بالمدائن وسوسا، وبأيّ سبب بنيت الرّوميّة ولم سمّيت بذلك، ولم بنى كسرى على الخليج قبالة قسطنطينيّة النّواويس وبيوت النار. ولكن متى ظهرت الرّوم على ترك خراسان ظهورا مواليا، ضربوا بها المثل إلى آخر دار مسه، ومن هناك من الأشباه، ومن يتخلّل هذا النسب.
وكانت خاتون بنت خاقان عند أبرويز فولدت له شيرويه. وقد ملك شيرويه بعد أبرويز، فتزوّج شيرويه مريم بنت قيصر، فولدت له فيروزا شاهي أمّ يزيد الناقص والوليد. وكان يقول: ولدني أربعة أملاك: كسرى، وخاقان، وقيصر، ومروان. وكان يرتجز في حروبه التي قتل فيها الوليد بن يزيد بن عاتكة:
أنا ابن كسرى وأبي خاقان ... وقيصر جدّي وجدّي مروان
فلما صار إلى الافتخار في شعره بالنّجدة والثّفافة بالحرب، لم يفخر إلّا بخاقان فقط فقال:
فإن كنت أرمي مقبلا ثم مدبرا ... وأطلع من طود زليق على مهر
فخاقان جدّي فاعرفي ذاك واذكري ... أخابيره في السّهل والجبل الوعر
قوله «وأطلع» يريد: وأنزل، وهي لغة أهل الشام وأخذوها من نازلة العرب في أوّل الدهر. وجعل دابّته مهرا، لأنّ ذلك أشدّ وأشقّ.
وقال الفضل بن العبّاس بن رزين: أتانا ذات يوم فرسان من التّرك، فلم يبق أحد ممن كان خارجا إلّا دخل حصنه وأغلق بابه، وأحاطوا بحصن من تلك الحصون، وأبصر فارس منهم شيخا يطّلع إليهم من فوق، فقال له التركيّ:
لئن لم تنزل إليّ لأقتلنّك قتلة ما قتلتها أحدا! قال: فنزل إليه وفتح له الباب، ودخلوا الحصن، واكتسحوا كلّ شيء فيه، فضحك من نزوله إليه وفتحه له وهو