فيه. وأمّا الكذّاب فإنّي أقطع الجارحة التي بها يكذب، كما قطعتم اليد التي بها يسرق، وأمّا الذي يضحك الناس ويعوّدهم السّخف فإنّي أخرجه من سلطاني، وأصلح بإخراجه عقول رعيتي.
قال: فقال الجنيد بن عبد الرحمن: أنتم قوم تردّون أحكامكم إلى جواز العقول، وإلى ما يحسن في ظاهر الرأي؛ ونحن قوم نتبع الأنبياء، ونرى أن لم نصلح على تدبير العباد. وذلك أنّ الله تعالى أعلم بغيب المصالح وسرّ الأمر وحقائقه، ومحصوله وعواقبه، والناس لا يعلمون ولا يرون الحزم إلّا على ظاهر الأمور. وكم من مضيع يسلم، وحازم يعطب.
قال: ما قلت كلاما أشرف من هذا، ولقد ألقيت لي فكرا طويلا.
قال إبراهيم: قال عبد الملك: قال صالح: قال الجنيد: فلم أر أوفى ولا أنصف ولا أفهم ولا أذكى منه. ولقد واقفته ثلاث ساعات من النهار وما تحرّك منه شيء إلّا لسانه، وما منّي شيء لم أحرّكه.
وهكذا يصفون ملوك التّرك، يزعمون أنّ ساسان وخاقان الأكبر، تواقفا ببعض الكسور، وفصلا من الصّفّين، وطالت المناجاة، فلما انفتلا قالوا: كان خاقان أركن وآدب، وكان مركب كسرى أركن وآدب، ولم يتحرّك من خاقان إلّا لسانه، وكان برذونه يرفع قائمة ويضع أخرى، وكان مركب كسرى كأنّما صبّ صبّا، وكان كسرى يحرّك رأسه ويشير بيده.
قالوا: ومن الأعاجيب أنّ الحارث بن كعب لا يقوم لحزم، وحزم لا تقوم لكندة، وكندة لا تقوم للحارث بن كعب.
قالوا: ومثل ذلك من الأعاجيب في الحارث: أنّ العرب لا تقوم للتّرك، والتّرك لا تقوم للرّوم، والرّوم لا تقوم للعرب.
قال جهم بن صفوان الترمذيّ: قد عرفنا ما كان بين فارس والتّرك من الحرب، حتّى تزوّج كسرى أبرويز، خاتون بنت خاقان، يستميله بذلك