القرنين. وبقوله «اتركوهم» سمّوا التّرك. هذا بعد أن غلب على جميع الأرض غلبة وقسرا، وعنوة وقهرا.

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «هذا عدوّ شديد كلبه، قليل سلبه» . فنهى كما ترى عن التعرّض لهم؛ بأحسن كناية.

والعرب إذا ضربت المثل في العداوة الشديدة قالوا: ما هم إلّا التّرك والدّيلم.

قال عملس بن عقيل بن علفة:

تبدّلت منه بعد ما شاب مفرقي ... عداوة تركيّ وبغض أبي حسل

وأبو حسل هو الضّبّ. والعرب تقول: «هو أعقّ من ضبّ» : لأنّه يأكل أولاده.

ولم يرعب قلوب أجناد العرب مثل التّرك. وقال خلف الأحمر:

كأنّي حين أرهنهم بنيّي ... دفعتهم إلى صهب السّبال

قال: وإياهم عنى أوس بن حجر:

نكّبتها ماءهم لما رأيتهم ... شهب السّبال بأيديهم بيازير

وحدثني ابراهيم بن السّندي مولى أمير المؤمنين، وكان عالما بالدّولة، شديد الحبّ لأبناء الدّعوة، وكان يحوط مواليه ويحفظ أيّامهم، ويدعو الناس إلى طاعتهم، ويدرسهم منقابهم، وكان فخم المعاني فخم الألفاظ، لو قلت لسانه كان أردّ على هذا الملك من عشرة آلاف سيف شهير، وسنان طرير، لكان ذلك قولا ومذهبا.

قال: حدّثني عبد الملك بن صالح، عن أبيه صالح بن علي، أنّ خاقان ملك الترك واقف مرة الجنيد بن عبد الرحمن أمير خراسان، وقد كان الجنيد هاله أمره، وأفزعه شأنه، وتعاظمه جموعه وجمعه، وبعل به، وفطن به خاقان وعرف ما قد وقع فيه، فأرسل اليه:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015